تحذير مديرة صندوق النقد الدولي والمستشار البريطاني من مغبة مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي

يتكشف سريعًا الإجماع في ما بين الاقتصاديين؛ ففي نيسان / أبريل عام 1999 صوت كبار الاقتصاديين الأكاديميين البريطانيين بقوة لصالح التحول من الجنيه إلى اليورو. وفي آب / أغسطس من عام 2008 ذكر أوليفر بلانشار الأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيـا بأن الاقتصاديين تقاسموا رؤية مشتركة للاقتصاد الكلي بسبب - وفق ما قال - "أن الحقائق لا تذهب بعيدًا ". ولكن في عام 2014 أكد بلانشارد انخداع الاقتصاديين بالتفكير في فشل الاقتصاد الكلي لأنهم لم يبحثوا بشأن الحقائق الصحيحة.

 وأصرت جميع الوكالات الرسمية تقريبًا خلال الأسابيع القليلة الماضية على أن مغادرة بريطانيـا للاتحاد الأوروبي سيكبدها خسائر طائلة، وفي الواقع تتنافس هذه الوكالات مع بعضها في تصعيد تقديرات هذه الخسائر. وقالت المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي (IMF) كريستين لاغارد إن النتائج المترتبة على خروج بريطانيـا ستكون سيئة للغاية، وأشارت وزارة المال البريطانية، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، وصندوق النقد الدولي إلى معاناة الاقتصاد من فقر دائم بسبب انخفاض حجم التعاون التجاري مع الاتحاد الأوروبي. وأضاف بنك إنكلترا المركزي في تحذير صادم بأن الأسواق المالية ستشهد حالة ارتباك وفوضى لا معنى لها، إلى جانب انهيار متوقع في أسعار العقارات بواقع 18%.

 وقال قادة الدول الصناعية السبع الكبرى إن النظام الاقتصادي العالمي سيتعرض للانهيار في حال خروج بريطانيـا من الاتحاد الأوروبي. ولكن المدير السابق في صندوق النقد الدولي مايكل موسى يرى أن المعركة على بقاء أو خروج بريطانيـا من الاتحاد الأوروبي ينبغي خوضها لأسبابٍ أخرى؛ فجميع الاقتصاديين وليس فقط المؤيدون للخروج يتفقون على أن بريطانيـا تحقق استفادة من زيادة حجم التجارة الدولية، فمزيدًا من التجارة يتيح إمكانية زيادة الإنتاج والتصدير لكل ما تتميز به واستيراد ما تحتاجه؛ وبالتالي فالجميع مستفيدون. لكن لا توجد استفادة كبيرة من التصدير إلى ألمانيـا وإسبانيا وبولندا مثلما هو الحال بالنسبة للتصدير إلى الولايات المتحدة وكوريـا والصين، وإذا كان حجم التبادل التجاري أكبر مع ألمانيـا، فإن الخروج هنا من الاتحاد الأوروبي سيلحق خسائر لبريطانيـا. ولكن هل هذا معقول ؟

 فمن ناحية نجد أن التبادل التجاري ما بين بريطانيـا وألمانيـا لن يتراجع بشكل كبير، بالنظر إلى أن التجارة تدخل ضمن الأعمال والشبكات الاجتماعية التي يستثمر فيها الشركاء رؤوس أموال طائلة. ومن ثم فإن العلاقات التجارية الإنتاجية ستبقى كما هي ولن تتأثر. وهدد وزير المال الألماني فولفغانغ شويبله بأن إعادة التفاوض بشأن الترتيبات التجارية في بريطانيـا مع الاتحاد الأوروبي ستكون الأكثر صعوبة، ولكنه لا يريد التحرك ضد صندوق النقد الدولي حتى لا يضر مصالح المصدرين أو المستوردين في ألمانيـا.

 وحتى مع انهيار حجم التبادل التجاري لبريطانيـا مع الاتحاد الأوروبي، فإن التجارة مع البلدان الأخرى ستزيد بلا شك؛ لأن النمو في أوروبـا ليس بالوتيرة نفسها مقارنةً ببقية العالم. فقد تحولت التجارة بعيدًا عن أوروبـا لأعوام عدة. ومع اتجاه غالبية الشركات بالفعل للبيع في أسواق متعددة، فإن الخروج من بريطانيـا سيدفعهم إلى تعزيز الشبكات غير الأوروبية. وعن تكلفة الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن بريطانيـا تصدر 13% من الناتج المحلي الإجمالي، ويتجه 3% من الناتج المحلي الإجمالي في النهاية إلى بريطانيـا أو خارج أوروبـا؛ ومن ثم كيف خلصت وزارة المال ومنظمة التعاون والتنمية وصندوق النقد الدولي إلى أن خروج بريطانيـا من الاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تتراوح ما بين 6 – 10% إلى الأبد.

 ربما تكون التقديرات افترضت أن تقليص حجم التبادل التجاري سيؤدي إلى تقليص نمو الإنتاجية في السوق البريطاني، ولكن ببساطة لا يوجد دليل على ارتباط انخفاض حجم التجارة بالنمو في الإنتاجية. كما أنه لا توجد علاقة منطقية ما بين نمو الإنتاجية والتحول في التجارة من ألمانيـا إلى الولايات المتحدة؛ فقد ارتبط حجم التبادل التجاري مع نمو الإنتاجية بشكلٍ أكبر عندما ظهرت البلاد من العزلة الاقتصادية، ولكن بالنسبة للاقتصاد البريطاني المتقدم، فإن هذه الإمكانية ينبغي رفضها تمامًا. ويزعم بنك إنكلترا بأن خروج بريطانيـا من الاتحاد الأوروبي سيعيق الاستثمار؛ وبالتالي من المتوقع تراجع النمو. ولكن كيف يمكن معرفة ذلك؟ فالناتج المحلي الإجمالي لبريطانيـا يعاني تراجعًا لأسباب عدة، فقد نتج عن تطبيق التقشف الذي لا مبرر له تأخر التعافي من الكساد الكبير، كما أن الانتعاش لم يدم طويلًا.

 وأشار الحائزون على جائزة نوبل جورج أكيرلوف وروبرت شيلر إلى أن البنك المركزي البريطاني يعمل علي إثارة الذعر خلافًا للدور المنوط به في الطمأنة والاستعداد لمنع انتشار حالة الذعر. وكانت الوكالات الرسمية أبدت وعودها مرارًا منذ عام 2010 بانتعاش الاقتصاد، لكن التوقعات فشلت لإبدائهم جميعهم للأدلة غير المقنعة.