المبعوث الدولي إلى سورية ستافان دي ميستورا

مع بدء العد التنازلي لانطلاق الجولة الثانية من مفاوضات "جنيف-3"، رفعت الأطراف المتفاوضة سقوفها السياسية، في خطوة تهدف إلى تحقيق مكاسب على طاولة المفاوضات.

ومع أن الهدنة العسكرية قد أخرجت إلى حد كبير النقاش حول مسألة الخلط بين المعارضة والمنظمات الإرهابية، وأخرجت أيضا تداعيات الحرب على السياسة، فإن الهوامش الكثيرة، التي لم تُحل بعد، منحت الفريقين فسحة للتحرك السياسي.

فدمشق تؤكد موقفها الثابت منذ "جنيف-2" عام 2014، بضرورة إعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب، وضرورة تحديد أوضح للمنظمات الإرهابية قبيل الانتقال إلى المستوى السياسي وتفاصيله. وقد أعلن رئيس مجلس الشعب محمد جهاد اللحام مؤخرا أن "الحكومة ماضية في مكافحة الإرهاب الدولي، كأولوية وطنية، بالتعاون مع الأصدقاء، في ضوء ما تتعرض له بلدان حوض المتوسط، سواء في سوريا أو ليبيا أو مصر أو تونس من إرهاب، جاء نتيجة التدخلات الغربية في الشؤون الداخلية لهذه الدول".

ويؤكد هذا التصريح ما سُرب خلال اليومين الماضيين إلى وسائل إعلامية من أن دمشق تريد أولا فك ارتباط المعارضة بداعميها الإقليميين كجزء من أولوية محاربة الإرهاب.

أما المعارضة، فوجدت أيضا في الهوامش المتروكة عمدا فرصة لرفع السقف السياسي، حين أكدت ضرورة تشكيل هيئة حكم انتقالية، وليس حكومة وحدة، مهمتها وضع جدول زمني لانتقال سياسي، يخرج الأسد بموجبه في بداية المرحلة الانتقالية؛ وهو ما شدد عليه رئيس الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن "قائمة الرياض" رياض حجاب حين قال: "يجب على الأسد أن يغادر سوريا في بداية العملية الانتقالية، وأن يمثل أمام العدالة الدولية، ويحاسب على ارتكاب جرائم حرب".

ويتمسك الطرفان بمواقفهما استنادا إلى التفاهمات الدولية الغامضة؛ المعارضة تضع بيان "جنيف-1" والقرار الدولي 2254، وخاصة البندين 12 و13 منه، مرجعيةً لها. ولذلك، فقد أعلن الائتلاف (الوطني السوري المعارض) أن إطلاق سراح المعتقلين في السجون سيعزز فرص نجاح الحل السياسي؛ وهو ما نص عليه القرار 2254، على اعتبار أن هذه القضية الأخيرة لم يَجر حلها مثل القضايا الأخرى (وقف القصف، إدخال المساعدات).

كما تتمسك المعارضة بهاتين المرجعيتين أساسا للحل السياسي بموجب الفقرة الرابعة من القرار الدولي 2254، والتي تم تأكيدها في الفقرة الثامنة من القرار الدولي 2268: "يعرب مجلس الأمن عن دعمه لعملية سياسية بقيادة سورية، تيسرها الأمم المتحدة وتقيم في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكما ذا مصداقية، يشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد؛ ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة".

وقد وجدت دمشق في المقابل، في حالة الغموض والهوامش المتروكة، فرصة لتعزيز موقفها. ففي حين شدد القرار الدولي 2254 على إطلاق سراح "المحتجزين تعسفيا، ولا سيما النساء والأطفال"، فإن القرار الدولي الأخير 2268 لم يشر إلى إطلاق سراح المعتقلين.
كما وجدت دمشق في القرارين الأخيرين ما يدعم موقفها من مصير الأسد، حيث لم يتطرق القراران إلى هذه المسألة، وجرى تركها إلى حين، وفق تفاهمات اجتماعات فيينا وميونخ بين الراعيين الرئيسيين (موسكو، واشنطن)، كما هو الحال بطبيعة وشكل الحكم في المرحلة الانتقالية.

وفي الواقع، فإن هاتين المسألتين تشكلان موضع خلاف كبير، وبدت تصريحات المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بشأنهما غامضة؛ فهو أولا، قال إن "السوريين هم، الذين يقررون مصير الأسد". وكلمة مصير هنا لا تعني أن يكون ذلك عن طريق أصوات المدافع، بل عن طريق صناديق الاقتراع، أو على الأقل بواسطة عملية التفاوض.

وثانيا، عندما أكد في مقابلة مع صحيفة "الحياة" اللندنية أن "هناك أجندة واضحة في القرار 2254 مبنية على ثلاثة أمور: أولا، مناقشات للوصول إلى حكومة جديدة، وثانياً، دستور جديد، وثالثا، انتخابات برلمانية ورئاسية خلال 18 شهرا".

أما عبارة "حكومة جديدة" فأثارت استياء المعارضة، التي طالبت بتوضيحات حولها. وفي مؤشر إلى الغموض الذي يكتنف هذه المسألة، أو بسبب عجز الراعيين الأساسيين عن التوصل إلى اتفاق حولها، أعلن دي ميستورا أمس من جنيف "أن مفاوضات جنيف ستركز على قضايا الحكم، وإجراء انتخابات خلال 18 شهرا، ودستور جديد".

غير أن قضايا الحكم عبارة فضفاضة توحي بالمعنيين المتقابلين (هيئة حكم، حكومة وحدة). ومن الواضح أن هذه العقدة لن يتم حلها قبيل انطلاق المفاوضات وإنما ستترك للتفاوض.