اللقطة
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

اللقطة

 فلسطين اليوم -

اللقطة

بقلم : عمرو الشوبكي

فى مصر اللقطة أهم من المضمون، والشكل أهم من الجوهر، والحديث عن العمل والدعاية له أهم من العمل نفسه، وفى بعض الأحيان بديل عنه وقد عانينا فى السنوات الأخيرة من هذه الظاهرة أشد معاناة، حتى أصبحت نمط حياة فى السراء والضراء، وأصبحت اللقطة والصورة هدفا فى ذاته، حتى لو جاءت على حساب مائة مضمون.

إن ثقافة أو منظومة اللقطة تكره الحقائق، ولا تحب المعلومة الصحيحة، ولا تحتمل الاعتراف بالأخطاء والمحاسبة، لأنها كلها مسوغات تتعلق بالعمل وجديته، لا بالشكل والمظهر.

ربما يكون هذا الولع بالإعلام دليلا على عمق العلاقة بين ما نعيشه الآن و«ثقافة اللقطة»، فالسيطرة على الإعلام جعلت قطاعات واسعة من المشاهدين تتجه لقنوات الإخوان، وحين أعلن مركز جاد هذه النتيجة على الرأى العام تم إغلاقه، بدلا من مناقشة الأسباب التى أدت إلى تحول جمهور واسع من الناس نحو قنوات محرضة، لأنها تقدم صوتا مختلفا عن المعزوفة الرسمية.

كل ذلك لم يدفع أحدا إلى مراجعة أسباب انصراف الناس عن مشاهدة قنوات الدولة وأجهزتها، حتى أصبحت هناك حالة من الكراهية الشديدة لنشر الحقيقة، وابتُكرت كل الوسائل لإخفاء المعلومات عن الناس، واختفى إعلام الدولة الخاص والعام عقب كل كارثة، لأن المعتمد هو نشر «الإيجابيات»، أما السلبيات فالمطلوب إخفاؤها بشكل كامل أو تأخيرها بقدر الإمكان، وهو ما جرى فى الحادثة الإرهابية الأخيرة.

والحقيقة أن ما يجرى فى الإعلام يجرى فى السياسة والاقتصاد، فما يُقدم للخارج وللتصدير هو لقطة سياسية لا علاقة لها بما يجرى فى الداخل، وما يُروج للمشاريع الكبرى هو أيضا لقطة لا علاقة لها بحال الاقتصاد المصرى وأحوال معظم الناس.

أما ما جرى فى عملية الواحات الأخيرة، التى خلفت 17 شهيدا من ضباط وجنود الشرطة، فكان تجسيدا حيا لحالة اللقطة، التى تعمقت حتى أصبحت نمطا سائدا لدى أدوات النظام السياسى وأجهزته.

ولعل الشريط، الذى بُث كاملا على مواقع التواصل الاجتماعى وبثه «الإعلامى المحصن»، محذوفا منه بعض الأجزاء، والذى تحدث فيه طبيب الشرطة (شككت الداخلية فى صحته، فى حين أكدت لنا مصادر كثيرة صحته)، عن الحالات التى تم استقبالها والروايات التى تم تسجيلها لما جرى أثناء المعركة، كل ذلك يدل على أن هناك كمينا محكما أُعد للقوات، وأن المعلومات التى كانت فى حوزتهم لم تكن دقيقة، وأن خط سيرهم على الأرجح كان معروفا للإرهابيين، وأن هناك مَن اخترقهم لصالح العناصر المتطرفة.

والمؤسف والمؤلم فى نفس الوقت هو هذا التمييز الذى مارسه الإرهابيون بين الضباط والجنود، وبين مَن واجهوهم بالسلاح وبين مَن ألقوا سلاحهم، فالجنود تمت إصابتهم إصابات تعجيزية، والضباط تم قتلهم، وهى مسألة تعكس مستوى من التفكير الاحترافى لعصابة قاتلة، ولكنها تعمل على خلخلة القوات الشرطية من داخلها وإضعاف روحها المعنوية.

إن إضعاف تماسك الخصم هو من أساليب الدول وليس العصابات المسلحة، وهو بالفعل مارسته كل نظمنا السياسية السابقة حين واجهت خصوم النظام بمعادلة غير صفرية، أى قدمت مغريات للبعض، وحيّدت البعض الثانى، وواجهت البعض الثالث بقسوة.

وللأسف، لم يعد هذا يحدث حاليا ليس فقط فيما يتعلق بالتيار الإسلامى، إنما أيضا فيما يتعلق بالتيارات المدنية، فقد وُضع كثير من شباب التيار المدنى فى السجون، بناء على كلمتين أو حتى شتمتين، وأُغلق المجال العام والسياسى بقرار أمنى، وتكررت مظالم كثيرة أسهمت فى نقل ولو أجزاء محدودة من المجتمع إلى أحضان الإرهاب، وأفرزت عناصر تحمل السلاح، كما انسحبت أجزاء أكبر من المجتمع من المشاركة فى الحرب على الإرهاب، وكأنها لا تخصها (إلا فى صراخ بعض الإعلاميين المسؤولين عن سقوط هذا العدد من الشهداء)، بعد أن أقصتها الدولة تماما عن أى دور أو مشاركة أهلية، وتعرض كثير من أبنائها الأبرياء لمظالم ممتدة.

واللافت هو ما جاء على لسان طبيب الشرطة فى هذا الشريط، وتفسيره وجود هذا العدد غير المعتاد من ضباط الأمن الوطنى فى عملية من هذا النوع، وهو ما وصفه برغبة الجميع فى أخذ «اللقطة»، حتى لو كانت على حساب أرواح الجميع أيضا، فمن الواضح أن العملية لم يتم فيها التنسيق مع الجيش حتى تأخذ اللقطة جهة واحدة، واعتبرت «المعلومات المضروبة» حقائق دامغة لا تقبل وضع خطة بديلة فى حال خطئها.

فالمعلومة كانت تقول إننا أمام صيد سهل وثمين للإرهابيين، وإننا أمام عملية ستستغرق عشرات الدقائق، ونعود باللقطة لنقول إننا قبضنا على خلية إرهابية خطرة، وصفّينا عناصرها، ومن بينهم قيادات كبرى هاربة.

شهداء هذه المرة ليسوا مثل كل مرة، وإذا كنا سنعتبر أن معالجة الأخطاء الفادحة التى كلفتنا أرواحا ودماء أمر عادى، وأن ليس من حق الشعب، حتى لو كانوا من أهالى الضباط ومن داخل «الداخلية»، أن يطالبوا بالمحاسبة، فإن كارثة الواحات ستتكرر مرة أخرى، لأننا هذه المرة لسنا أمام خطأ وارد فى كل الدنيا (وفق نظرية الإرهاب موجود فى كل مكان)، إنما أمام خطيئة كبرى انطلقت من الحرص على اللقطة، فأخرجت كثيرا من الاستعجال والثقة الزائدة والخفة بالتحديات.

وكانت النتيجة تلك العبارة: رحم الله شهداء الواحات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللقطة اللقطة



GMT 04:16 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تحية للشعب السوداني

GMT 02:15 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

الاقتصاد في مواجهة السياسة

GMT 04:59 2019 الأحد ,12 أيار / مايو

ظاهرة عادل إمام

GMT 03:31 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

وبدأت الجزيرة

GMT 09:27 2019 الجمعة ,15 آذار/ مارس

الجزائر على طريق النجاح

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 17:36 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 04:55 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

أحمد حلمي يُظهر موهبة جديدة له عبر "إنستغرام"

GMT 12:00 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

شرطة الاحتلال تبدأ بنشر أجهزة تنصت بدءًا من القدس

GMT 02:39 2017 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

التقاط صور لأشبال تتمتع بحياة قتالية شرسة ولطيفة

GMT 21:37 2017 الإثنين ,30 كانون الثاني / يناير

إياد نصار يتقمّص دور الجوكر في "قعدة رجالة"

GMT 07:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

نقاد يعتبرون "ونوس" أفضل مسلسل ويحي الفخراني أفضل ممثل

GMT 02:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

كائن بحري يولد أضواء قوس قزح في خليج المكسيك
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday