لا خلاص للبنان إلا بحياده
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

لا خلاص للبنان إلا بحياده

 فلسطين اليوم -

لا خلاص للبنان إلا بحياده

عبير بشير
بقلم : عبير بشير

بعد مرور قرن على تأسيس الكيان اللبناني، وأربع سنوات على انتخاب ميشال عون، أعاد رأس الكنيسة المارونية اللبنانية الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الاعتبار إلى أهمية خيار الحياد الذي يحتاجه لبنان في ربع الساعة الأخير قبل سقوط الدولة والكيان، وخسارة لبنان لموقعه، والمسيحيين لحجمهم، والمارونية لدورها.

في وقت يسير لبنان بسرعة قياسية نحو هاوية مالية واقتصادية لم يشهد لها مثيل، تصر السلطة اللبنانية على تجاهل مطالبات المجتمع الدولي بضرورة إجراء الإصلاحات اللازمة كشرط لمد يد العون للبنان. والتزام سياسة النأي بالنفس «الحياد»، الذي يحمل عناوين مختلفة لمضمون واحد، وهو إخراج لبنان من صراعات المنطقة: سورية، اليمن، العراق، الخليج…، وليس تخليه عن موجبات الصراع العربي الإسرائيلي وحق لبنان في الدفاع عن نفسه.

وأصبح الوعي اللبناني، لا الواقع اللبناني يتقدم نحو الحياد بينما يخسر لبنان النموذج الاقتصادي للحياد السويسري. تخيلوا سويسرا الشرق «لبنان» بلا قطاع مصرفي!!
وزير الخارجية الفرنسي، جان لودريان، الذي زار لبنان خلال اليومين الماضيين، حمل رسالتين الى اللبنانيين، الأولى: ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم، والثانية، نشر مظلة دولية لصرخة بكركي الأخيرة والتي طالبت بالحياد وفك أسر الشرعية، بعدما لم يبق للبنان «حيط عمار» مع أي دول عربية يمكن أن يستند إليه في أزمته الحالية، وبعد أن استفاقت الكنيسة المارونية، واستفاق مسيحيو لبنان على حجم الكارثة السياسية والاقتصادية والمالية التي أوصل إليها التفاهم بين الجنرال عون و»حزب الله».

ويقول مطلعون، إن رئيس الدبلوماسية الفرنسية، قد لمح في لقائه مع المسؤولين اللبنانيين في بيروت، إلى ليونة أميركية حيال لبنان مشروطة بتنفيذ الإصلاحات بشكل جذري ومتوازٍ وترسيم الحدود البحرية.

ومن ضمن سلة الإصلاحات، حمل لودريان معه تأكيداً على ضرورة إنجاز إصلاح السلطة القضائية بقانون واضح، وإصلاح الكهرباء ومن ضمنها العودة النهائية عن معمل سلعاتا، وتشكيل الهيئات الناظمة في الكهرباء والاتصالات والطيران المدني، وترشيق القطاع المصرفي، إلى غيرها من الإصلاحات الجمركية لوقف تهريب البضائع على المعابر البرية والبحرية والجوية. وأرفق الإصلاحات بأهمية إنجاز الترسيم البحري بما يرسخ الاستقرار على الحدود الجنوبية ويحسن معه فرص بدء الشركات الأجنبية في استثماراتها النفطية، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على تعزيز أصول لبنان وضمان قدرته المالية في عملية إيفاء القروض والديون. على أن يحصل لبنان في تطبيق سلة الشروط على بدء تقديم التسهيلات الدولية لإعادة النهوض الاقتصادي وانطلاق تنفيذ المشاريع ضمن مؤتمر «سيدر» معطوفة على برنامج استثنائي من صندوق النقد الدولي.

ولكن يبقى لموقف وكلام الكاردينال بشارة الراعي، نصيب الأسد من زيارة لورديان، وهو الذي توصل أخيرا إلى أن لبنان، اليوم، متروك من دول الخليج، والدول الأوروبية والولايات المتحدة، «بسبب هيمنة (حزب الله)، لذلك لا خلاص للبنان إلا بحياده». ويبدو ان طرح الحياد من المقر الصيفي للبطريركية المارونية يحمل في طياته عتباً على العماد عون جرّاء المضي بخيارات سياسية جردت لبنان من عناصر قوّته وباتت تهدد وجوده كدولة، وجوهر طرح الحياد هو عودة «حزب الله» إلى الداخل اللبناني وعدم الاستمرار في خوض الحروب الخارجيّة.

وعلى كل حال، لم يعد الحياد نبيذا سياسيا معتقا يخفيه مسيحيو لبنان في خوابي أقبية الخوف التاريخي، بل هو، اليوم، وبعد مائة عام من الحياد المكتوم، يتراقص أيضا في هواجس معظم نخب المسلمين اللبنانيين الراغبة بالعيش بكرامة.

وتاريخيا، فإن معظم محاولات تحييد لبنان، سقط أمام الواقع المرير لأسباب عدة أبرزها عامل السلاح، وقوى الأمر الواقع بلباسها العسكري والمدني، والأحزاب والطوائف المرتبطة بالخارج ارتباطا عضويا او نفعيا او مذهبيا، يجعل هذا الخارج يملي عليها الأوامر المغلّفة بالمصالح الوطنية، بل إنها حولته، إلى ساحة صراعات وتصفية حسابات، أي «حروب الآخرين على أرض لبنان» كما كان يسميها غسان تويني.

وبالعودة الى تاريخ لبنان، نجد انّه ومنذ نيله استقلاله كان الحياد مطروحاً. حيث اتّفق الرئيسان بشارة الخوري ورياض الصّلح على شعار «لا للشرق ولا للغرب»، في ظل نظام طائفيّ ترتبط فيه كلّ طائفة بدولةٍ أجنبية وتُطالب فيه كلّ طائفة بتحصين حقوقها.

وفي عهد فؤاد شهاب، توصل في اللقاء الشهير بينه وبين الرئيس المصري جمال عبد الناصر، الذي جرى في خيمة نُصبت على الحدود اللبنانية السورية، إلى تفاهم مع القاهرة، على فكرة التماهي اللبناني مع السياسة الخارجية لمصر بما لا يضر مصالح الدولة اللبنانية، مقابل عدم تدخل القاهرة في شؤون لبنان الداخلية. ساعدت هذه المعادلة أو الصفقة لبنان على تجاوز الاضطرابات السياسية التي جرت بين مكوناته الحزبية والطائفية، المنقسمة ما بين المدى الناصري و«حلف بغداد».

ويعتبر البعض أنّ مصطلحي الشرق والغرب في يومنا هذا يُعنى بهما إيران وامتدادها شرقاً والولايات المتّحدة الأميركيّة مع أوروبا غرباً.

كما أن لبنان التشاركي الذي لم يُنتج منذ اتفاق الطائف وحتى اليوم، إلا سلطة مأزومة، ودولة مفلسة، وبلدا مفتوحا على ساحات نزاع المنطقة، لم تعد تجدي معه، بحسب مرجعياته الميثاقية والروحية، سياسة الانتظار والحنكة وتدوير الزوايا. بعد جنوح «حزب الله» بسبب مشاريعه الأصولية، والتي تعتبر خطراً يهدد هوية لبنان، ويحجب عنه روحه، ويبرقع حريته بتيوقراطية دينية تساهم في تصدير أبنائه للهجرة.

لدرجة أن هناك من بات يطالب، إما بالحياد الكامل عن كل المشاريع الخارجية، وإما التقسيم الإداري الفدرالي، كنظام لفَض الاشتباك السياسي والثقافي بين بيئات ومكونات متباينة، هو السبيل لخلاص الجميع.

لكن الشيعية السياسية ترفض صرخة البطريرك التي نادت بالحياد، وترى فيها رضوخا سياسيا للمؤامرة الأميركية التي تستهدف سلاح «حزب الله»، عن طريق الأزمة الاقتصادية. أما حليفه العوني جبران باسيل فمحرج بين حليف يستمد منه الحياة «حزب الله»، وبين كنيسة تحاكي هواجس المسيحيين الوجودية.

ولكن لا يمكن فهم فلسفة جبران باسيل الإلغائية والعنصرية للحياد، بعد ربطه بأمور غير ممكنة التحقيق: حوار داخلي ومظلة دولية، وحل مشكلات مزمنة ذكر منها: انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة. ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة، وإلقاء تهم باطلة وعنصرية لا علاقة لها بالحياد، بأن النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، هم أحد أسباب المعمعة اللبنانية الحالية.

إن طلب البطريرك حياد لبنان سحب ورقة التوت المسيحية عن سلاح «حزب الله»، وأنهى مرحلة التغطية العونية لهذا السلاح، مقابل وصول الجنرال عون إلى قصر بعبدا. لأنها رئاسة أوقعت لبنان في أعمق عزلة عربية ودولية، إنها رئاسة قادت لبنان من وضع الدولة الفاشلة الى وضع الدولة المنهارة.

ولكن على أي حال، لا يظهر أي فريق سياسي في لبنان رغبة في الذهاب الى صدام مع «حزب الله». لكن مشهد الزيارات الى بكركي يربك الحزب، لعدم رغبته على الأرجح في استعادة مشهد او تجربة أشعلت الأرض تحت أقدام القوات العسكرية السورية في لبنان، بحيث تكون بكركي مجددا راعية لتحرك وطني واسع في ظل ظروف اقتصادية صعبة ومخاوف حقيقية التقى حولها أفرقاء من كل الطوائف.

قد يهمك أيضا :   

عن سورية الروسية!

"كورونا" والقرية الكونية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا خلاص للبنان إلا بحياده لا خلاص للبنان إلا بحياده



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 11:15 2020 الإثنين ,20 إبريل / نيسان

بريشة : علي خليل

GMT 10:21 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 10:16 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 13:30 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

تقديم عطر أرماني كود النسائي الأفضل لفصل الشتاء

GMT 04:23 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ريتا اور تتألق في إطلالة رائعة تجذب الأنظار

GMT 18:37 2017 السبت ,03 حزيران / يونيو

الشرطة تحبط محاولة قتل في إحدى مستشفيات نابلس

GMT 14:51 2019 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

تنتظرك تغييرات في حياتك خلال هذا الشهر
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday