حالة مبعثرة
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

حالة مبعثرة

 فلسطين اليوم -

حالة مبعثرة

عبد الغني سلامة
بقلم : عبد الغني سلامة

في وصف حالتنا الفلسطينية، من ناحية شكلية سنجد تسميات عديدة، هي: فصائل مقاومة، كتائب مسلحة، قوة تنفيذية، مجاهدون، أمن داخلي، وحدة الإرباك الليلي، صواريخ القسام، حماة الثغور، قوات القبة الحديدية، وحدة البالونات الحارقة، غرفة عمليات مشتركة، مسيرات العودة (السلك)، مقاومة شعبية.

وعلى صعيد الخطابة والإعلام، كل شيء متوفر: مئات المحللين السياسيين، والخبراء الإستراتيجيين، والناطقين الإعلاميين.. وأيضاً، جميع المصطلحات العسكرية، والعبارات الجاهزة، والشعارات الكبيرة حاضرة في كل مقابلة، وفي كل مقالة: تهدئة، وقف إطلاق نار، تصعيد ناري، رد مزلزل، انتقام، ثأر، تغيير قواعد الاشتباك، خلف خطوط العدو، عمليات نوعية، تبادل القصف الصاروخي، قصف تل أبيب، ضرب بالكورنيت، تفاهمات وتخريب التفاهمات، غلاف المستوطنات، نصر إلهي، توازن الرعب.

للمراقب من بعيد، ومن يستمع لكل هذه التسميات والمصطلحات سيتبادر إلى ذهنه أن الجماهير متحدة، ومعنوياتها عالية، والمقاومة مشتعلة، وها هي تسجل الانتصار تلو الانتصار، فيما العدو مرتبك، ويتراجع.. وسيرسم بناء على ذلك صورة مثالية عن المقاومة، ووحدة الصف، هي أبعد ما تكون عن الواقع.

في واقع الأمر، الانقسام ما زال مستمرا، ويفسد أي فرصة لتحقيق أي منجز، فصائلنا مترهلة، ومتكلسة، وأولوياتها حزبية بالدرجة الأولى، أداؤنا السياسي ضعيف، وخطابنا الإعلامي عبارة عن مناكفات، وتهديدات جوفاء، وعبارات إنشائية منمقة.

مئات آلاف الشبان يعيشون حالة غير مسبوقة من التيه، وانعدام البوصلة، فاقدين للأمل، ليس لديهم أي نموذج ملهم، أو تنظيم يرشدهم ويحتويهم، أو مؤسسة تفجر طاقاتهم.. عمّال عاطلون عن العمل، وخريجون دون أي فرصة للتوظيف، وكفاءات مهملة.. لا يفكرون إلا بالهجرة، والهروب من هذا الجحيم، حتى لو ركبوا البحر، وهم على علم بأن مئات ممن سبقوهم لقوا حتفهم غرقا.. عدا الآلاف ممن فقدوا أطرافهم، ومن أصيبوا بإعاقات دائمة..

مئات الآلاف من الأسر تحت خط الفقر، ومنها من هُدم منزلها، ومن فَقدت معيلها، ومن تعيش على الإعانات، ومن ترسل أطفالها لنبش الحاويات، أو لبيع المناديل على مفترقات الطرق.. والجميع يعيشون حالة ذعر كلما سمعوا دوي القذائف، أو أزيز الطائرات.

وفي الضفة المحتلة، معاناة دائمة مع الحواجز، والجدار، وحملات المداهمة الليلية، والاجتياحات، والاعتقالات، والقتل، وهدم البيوت، واقتلاع الأشجار، ومضايقات المستوطنين، وإرهابهم وتخريبهم، واعتداءاتهم على المواطنين، بحماية الجيش.

وإسرائيل (المرتبكة) تواصل مصادرة الأراضي، وضمها، وبناء المستوطنات، وتوسيعها، وتهجير السكان قسريا، وتهويد القدس، بعد أن نجحت بأخذ اعتراف أميركي بأنها عاصمة إسرائيل، واعتراف بضم الجولان، وها هي تستعد لضم الأغوار، والمناطق المحيطة بالمستوطنات..

القيادة الفلسطينية تواصل ترديد نفس المصطلحات ونفس الخطاب: إدانة جرائم إسرائيل، ووصفها بأنها تهدد السلام، وتتعارض مع القوانين الدولية، وتهديدها بأنها ستنسحب من أوسلو، وستعيد تعريف دور السلطة الوظيفي، وستوقف التنسيق الأمني، وستقاطع البضائع الإسرائيلية، وستنسحب من كل الاتفاقيات الموقعة، وستسحب اعترافها بإسرائيل.

كل هذا جيد، ومطلوب، ولكنه أبدا لا يكفي، ولا يؤسس لمقاومة حقيقية، ولا يوقف عدوانا، ولا يردع إسرائيل عن فعل أي شيء، حتى أنه صار مادة للسخرية.. ومع أن السلطة نفذت بعض هذه التهديدات، إلا أن نجاحها يحتاج عوامل كثيرة غير متوفرة الآن.

خطاب المقاومة، والتحليلات السياسية والمصطلحات العسكرية (التي أشرنا إليها) ربما كانت تصلح في زمن الفدائيين، ومرحلة الكفاح المسلح في السبعينيات والثمانينيات.. أما اليوم، فالواقع مختلف.. فصائل المقاومة لا تفكر بتحرير فلسطين، وليس همها الدفاع عن شعبها (ولا بوسعها ذلك)، ولا تسعى لأي حل سياسي، هي تصعد جولات مواجهة عسكرية (محدودة وخاسرة) بهدف الانتقام لاستشهاد أحد قياداتها، وبعد ذلك وقبله، همها الحقيقي الحفاظ على وجودها، وإدامة الوضع الحالي للأبد..

التهديد بالصواريخ أكبر تضليل إعلامي، المتضرر الأول منه هم أهل غزة، والمستفيد الوحيد هو إسرائيل؛ حيث توظفه في دعايتها الإعلامية (بأنها ضحية الصواريخ)، وأنها تحمي شعبها من القصف العشوائي، وبالتالي تبرر للعالم جرائمها في غزة، بقصف البيوت بالصواريخ (الحقيقية) التي تجلب الموت والدمار..

التفاهمات، والتهدئة، والهدنة، ووقف إطلاق النار.. مصطلحات مضللة، تستخدمها إسرائيل بعد أن تحقق أهدافها، وتنهي مهماتها التدميرية، ثم تأتي «حماس» لتقنعنا بأنها حققت نصرا، وفرضت قواعد جديدة للاشتباك..

الاعتقاد بأن قضيتنا هي القضية الأولى والأهم في العالم وهمٌ مريح.. قضيتنا عادلة دون شك، وهي مهمة أيضا في الخارطة السياسية والنظام الدولي.. لكنها ليست الأهم، فالواقع السياسي يتغير باستمرار، فتحل قضايا محل أخرى، وتتبدل أولويات العالم، وأحيانا تكون قضيتنا في ذيل القائمة.. سواء بالنسبة للمجتمع الدولي، أو حتى للدول والشعوب العربية والإسلامية.. ومن الضروري أن نعي هذه الحقيقة..

والاعتقاد بأننا شعب جبار، مجرد وهم نرجسي.. في الواقع حين كان ياسر عرفات يردد عبارته الأثيرة «شعب الجبارين»، كان يهدف إلى رفع المعنويات، والحث على الصمود، وتنمية المشاعر الوطنية.. المشكلة أننا صرنا نعتقد بأننا شعب استثنائي، وأننا أكثر شعب يفهم في السياسة، بحكم التجربة الطويلة والمريرة، وهذا غير صحيح..
البعض ما زال يعتقد أنه في زمن عبد الناصر، وتيتو، ونهرو، وجيفارا، والاتحاد السوفيتي، ويريد إشعال الكفاح المسلح، وشن حرب التحرير الشعبية.

والبعض يحلل ويتوعد وينتقد.. وهو يعتقد بأننا قوة عظمى، ولدينا إمكانيات الجيش الأحمر، أو غابات فيتنام، وجبال بوليفيا.
والبعض يصيغ خطابه وكأنه في زمن الحرب الباردة، والتوازنات الدولية، والعمق العربي، واللاءات الثلاث..

البعض يظن أن الشعوب الإسلامية معنا، وهي متحدة، ومتأهبة للجهاد، وتتوق لتحرير فلسطين، لكنَّ ما يؤخرها أن الفلسطينيين جعلوا قضيتهم «وطنية»، وبالتالي حرموهم من فرصة الجهاد، ومنعوا جيوشهم من الزحف المقدس.. أو أنّ تلك الجموع الغفيرة جاهزة، ومجهزة، لكنها تنتظر «الخليفة» ليعلن النفير العام.

البعض يعتقد أن إسرائيل بمؤسساتها وجيشها عبارة عن «دولة مسخ» وكيان طارئ.
في الحقيقة، واقعنا مزرٍ، بكل معنى الكلمة..

ولكن، ومع كل ما سبق، إذا كنا ضعفاء بإمكانياتنا؛ فقوتنا في إرادتنا، وعدالة قضيتنا.. وإذا كنا مشتتين، ومنقسمين؛ فتجمعنا وحدتنا الوطنية، ومصيرنا المشترك.. نستطيع قلب الطاولة، ورفض أي حل لا يلبي طموحنا الوطني، ونستطيع انتزاع حقوقنا السياسية... فقط، إذا امتلكنا الإستراتيجية الصحيحة، وصوبنا مسارنا الكفاحي، واستعدنا وحدتنا.. واستنهضنا عناصر قوتنا.. والأهم أن نسقط كل تلك الأوهام.. ولدينا الفرصة لذلك.

قد يهمك أيضا : 

  عـن الـذكـاء الـعـاطـفـي

لماذا؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حالة مبعثرة حالة مبعثرة



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 15:43 2020 الأربعاء ,01 إبريل / نيسان

مناخا جيد على الرغم من بعض المعاكسات

GMT 09:49 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تجنب اتخاذ القرارات المصيرية أو الحاسمة

GMT 09:51 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

عمرو موسى يؤكّد أن العمل العربي المشترك لم يفشل

GMT 13:37 2020 الأحد ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

في «طعم البيوت» نباتات الزينة لمسة جمال في منزلك

GMT 11:18 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

"الكلاسيكية العصرية" عنوان منزل بيورك في مانهاتن

GMT 17:12 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

دنيا سمير غانم تهنئ نادية لطفي على التكريم وتعتذر لها

GMT 22:11 2016 الخميس ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الاهلي يصرف 100 ألف جنيه مكافأة إلى بطلة الكاراتيه "فاروق"

GMT 00:18 2017 الإثنين ,26 حزيران / يونيو

غيغز وغوارديولا يتنافسان في إحدى منافسات الغولف

GMT 16:07 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

اتحاد المرأة يبحث مع التعاون الألماني تعزيز التعاون المشترك

GMT 08:52 2016 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

"مكسيكو سيتي" إحدى أكثر المدن أمانًا في أميركا الجنوبية
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday