تحوّلات النظام الدولي 2
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

تحوّلات النظام الدولي (2)

 فلسطين اليوم -

تحوّلات النظام الدولي 2

عاطف أبو سيف
بقلم : عاطف أبو سيف

استكمالاً للنقاش الماضي حول تطور وتوجهات النظام الدولي الجديد وانعكاس ذلك على القضية الفلسطينية، من المهم التأكيد أن الكثير من هذه التحولات والتوجهات لا علاقة لها بقدرة الفلسطيني، بل ترتبط أكثر بتغيرات جوهرية في طبيعة العلاقات الدولية والقيم التي تفرزها وتتحكم بها. ولعل استخدام كلمة «قيم» يثير الكثير من الفزع لأنه موضع شك حين يتعلق الأمر بالسياسة، لكن حتى في ظل غيابه من المهم تذكّر أن هذا الغياب هو بحد ذاته أحد مفاعيل «القيم» الخاصة بالنظام الدولي. إنه الغياب الذي دفع الفلسطينيون ثمنه غالياً حين تمت سرقة بلادهم ومنحها للآخرين. تأسس اندماج الفلسطينيين في النظام الدولي، ربما، في لحظة «اللاتوازن» التي وسمت مرحلة صعود الوطنية الفلسطينية في مرحلة النكبة من انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة.

لحظة اللاتوازن تلك عنت أن النظام الدولي الذي بات الولوج له جزءاً من أهداف الثورة الفلسطينية صار مستقراً ومتصالحاً بل مشترطاً لفكرة وجود إسرائيل ولو كان ذلك على حساب الحقوق الفلسطينية. وعليه تم قبول إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة دون تحقيق القرار 181 الذي اشترط وجود دولة عربية في فلسطين إلى جانب الدولة اليهودية. بل تم غض الطرف عن هذا الشرط وقبول مزاولة الدولة العبرية ولايتها على أراض تعتبر وفق القرار 181 جزءاً من أراضي الدولة العربية. بعبارة أخرى تنازل النظام الدولي عن قرارته من أجل أن تصبح إسرائيل عضواً فيه.

وبقدر ما كان هذا ضرورياً للفلسطينيين بقدر ما كان مساساً بأكبر المساحات التي كان يمكن لهم أن يناورا فيها والمتعلقة بحتمية وجود دولتهم؛ لأن وجود تلك الدولة بات رهناً بوجود إسرائيل والأكثر خطورة بموافقتها. وربما أن تناول الأفكار وفق نمط محدد يخرجها من قوالبها الأصلية. وبعبارة أخرى فإن تناول الفلسطينيين وتقبلهم لفكرة حل الدولتين أبعدهم عن الشيء الأهم في تلك الفكرة بالنسبة لهم والمتعلق بدولتهم، فهذه الدولة لا يجب أن تنشأ وفق إرادة شعبية حرة، بل وفق اتفاق يتم التوصل إليه.

وفي ظل اختلال التوازن الحقيقي في علاقتهم بإسرائيل، فإن تحقق هذا يبدو أكثر تعذراً مع الزمن، بل في أحسن الأحوال يتراجع ويتقلص حتى يصبح مثل «الكيكة» التي تخبزها إسرائيل. من هنا فإن هذا اللاتوازن أيضاً أضر بالمصالح التي تم بعث الوطنية الفلسطينية المعاصرة من أجلها. ربما كان يصعب تخيل وقوف الفلسطينيين خارج منظومة النظام الدولي؛ لأن هذا كان يمكن له أن يضر بمصالحهم أيضاً، لكن كان يمكن معالجة الأمر بقدر أكبر حين بدأت الوطنية الفلسطينية تنعطف لتقبل فكرة حل الدولتين. كان يجب إسناد هذه الموافقة بقرارات دولية تسبق وجود إسرائيل مثل قرار التقسيم. كانت المعضلة في «البراديم» وسبل تحقيقه. أيضاً سيظل متعذراً أن يتم النظر للماضي بأدوات تحليل راهنة. لكن المؤكد أن الفلسطينيين كانوا أمام الانصهار والانزياح الأبدي أو البحث عن مكان يقيهم آثاراً أكثر كارثية.

في تلك اللحظة لم يكن ثمة مفاضلة، فالعالم منقسم بين معسكرين والنظام الدولي تهمين عليه قوتان. المعسكران لا ينفيان وجود إسرائيل، بل إن بعض دول المعسكر الشرقي كانت من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل، وفي أحسن الأحوال لا تصوّر لها للحل إلا بتقبل الفلسطينيين لفكرة وجود إسرائيل.مع تفكك هذه المنظومة وتحول النظام الدولي من نظام القطبين إلي نظام متعدد الأقطاب مع قوة «قصوى»، باتت إسرائيل جزءاً أساسياً من مكوناته الجديدة. هيمنت على سلم أولويات النظام الجديد أفكار مثل «محاربة الإرهاب»، وحماية الدولة الآيلة للسقوط والتدخل الإنساني والدمقرطة وأشياء كثيرة كلها نجحت إسرائيل في التسلل عبرها لأجندة النظام الدولي الجديد وأن تكون لاعبة حيوية فيه.

بل إن بعض هذه القضايا تحولت إلى اهتمامات إقليمية عنت أن إسرائيل وبعض الدول في المنطقة التي كانت عدوة أمس، يتقاطعان في معالجة آثارها. من هنا فإن إندماج إسرائيل في الإقليم بات أمراً واقعاً، ولم يعد ثمة حاجة للخطاب العبري أن يبرره؛ إذ إن أهداف السياسة الدولية التي قادتها واشنطن منذ انهيار جدار برلين عملت على ذلك. ولم يكن مؤتمر مدريد للسلام مجرد صورة فوتوغرافية للذكرى، بل إنها عكس توجهات مرحلة جديدة لن تتوقف حتى تقيم تل أبيب علاقات مع بعض الدول العربية.

عكس هذا نفسه في مقولات السياسة الخارجية الإسرائيلية: من نظرية بيريس حول الشرق الأوسط الجديد حتى دبلوماسية التطبيع وفق المصالح التي مارسها نتنياهو بكل وضوح وببعض النجاح. وما بين تصورات بيريس لعالم شرق أوسطي جديد وسياسة نتنياهو التصالحية مع المحيط تخلق واقعاً دولياً حدث فيه الكثير من التحولات التي قامت إسرائيل باستغلالها من أجل تأمين مصالحها. تغيرت المصالح وتبدلت مفاهيم التحالفات. فلم يعد الإقليم والجغرافيا هما من يحددان تخوم وأشكال التحالفات، كما أن مفهوم المصلحة اختلف، كما بات من الممكن أن تنفصل الهوية الأيديولوجيا عن الممارسة، فالمواقف السياسية تأتي لاحقاً لتطور العلاقات الاقتصادية. 

نظرية التأثيرات التدريجية التي انتقل فيها الاتحاد الأوروبي من تجمع اقتصادي إلى كائن سياسي هي ذاتها التي عملت وفقها إسرائيل في تأمين وتوثيق علاقاتها مع الدول المختلفة اقتصادياً دون أن تشترط تحولاً في مواقفها السياسية؛ لإدراكها أن المصالح الاقتصادية ستفرض هذا التحول لاحقاً. هذا ما يحدث مع الهند مثلاً. إلى جانب ما تقدمه إسرائيل من مساعدات في أفريقيا خاصة بمجال الزراعة؛ لتأمين التحولات في سجل تصويت دول القارة. بعض هذه الدول إسلامية ويتم التفريق بين العبادات وبين المواقف السياسية وكأن الصراع على المسجد الأقصى لا يهم المسلم بشيء؛ لأن جزءاً من تقديم إسرائيل لنفسها لهذه الدول أنها تضمن حرية العبادة للجميع، مثل أن يقوم وزير دولة إسلامية بزيارة المسجد الأقصى بدعوة من الحكومة الإسرائيلية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحوّلات النظام الدولي 2 تحوّلات النظام الدولي 2



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 00:06 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير داخلية بوينس آيرس يستقيل من منصبه

GMT 01:24 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

النجم جورج وسوف يحيي حفلة غنائية في فرنسا

GMT 21:04 2017 الأربعاء ,05 تموز / يوليو

نجم الفريق تامر صيام يحسم موقفه من هلال القدس

GMT 05:49 2017 الخميس ,12 كانون الثاني / يناير

هنا الزاهد نؤكد خوض تجربة المسلسل الكارتوني لأول مرة

GMT 07:21 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

6 أخطاء شائعة يجب تجنبها عند إنشاء "كملة سر" صعبة

GMT 10:51 2019 الأحد ,07 إبريل / نيسان

هنري جاك يواصل إبداعه في مجموعة Les Classiques de HJ

GMT 00:18 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

طريقة تحضير مشروب التمر هندي بالكركديه

GMT 06:07 2018 الجمعة ,14 أيلول / سبتمبر

الصبار يحميك من السرطان ويحافظ على صحة بشرتك

GMT 06:41 2018 الجمعة ,02 آذار/ مارس

عمليات التجميل ترتفع بنسبة 200 % بين النساء

GMT 17:12 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

أنوشكا تستضيف في صالونها ليلى علوي وإلهام شاهين ويسرا

GMT 22:58 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

مكياج بوحي الساحل الشرقي والغربي الأميركي من جيجي حديد

GMT 16:16 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مصطفى مراد يُعلن ترشحه لانتخابات الأهلي

GMT 19:16 2017 الإثنين ,25 أيلول / سبتمبر

تصريح وزير الخارجية السوري وليد المعلم
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday