عن حماس والثقافة
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

عن "حماس" والثقافة

 فلسطين اليوم -

عن حماس والثقافة

د. عاطف ابو سيف

فوجئت الاسبوع الماضي وخلال توجهي الى الضفة الغربية في طريقي للمغرب لحضور معرض الدار البيضاء للكتاب بمنعي من السفر من قبل قوات الأمن التابعة لحماس.  وكلمة فوجئت في غزة تبدو مضحكة لأن كل شيء في غزة غير متوقع ويحدث وفق صدف أو ترتيبات لا يعرف منطقها حتى البارعون في حل الألغاز والشيفرات على أنواعها. ما حدث، بعيداً عن تصنيفه، كان عملاً لا يمكن تبريره أو تفسيره أو إعطاؤه أي مسوغ. 
إن فكرة أن يتحكم رجل امن في حياة الناس لهي بحد ذاتها معيبة للأخلاق ومُحِطة للكرامة، كما انه تعكس "جودة" الحياة التي يعيشها الناس والمستوى التي تصل فيه علاقة المواطنين بالسلطة السياسية، وهي بلا شك علاقة غير قائمة على عقد اجتماعي يتأسس على تفاهمات تبادلية حول مفهوم التنازل الطوعي عن السلطة الطبيعية للأفراد لصالح سلطة جمعية متفق عليها وفق إرادات ذاتية. 
يمكن القول الكثير عن هذا التصرف بوصفه انتهاكا لحقوق الإنسان وسلبا للمواطن لأحد اهم حقوقه المتمثلة في حقه في التنقل وما شابه ذلك، لكنه يثير إلى جانب كل ذلك السؤال حول موقف حماس من الثقافة وعلاقتها بها وماذا فعلت من اجلها. 
ويمكن ان يكون هذا مشروعاً ليس بسبب ما جرى معي شخصياً ولكن بعد قرابة ثماني سنوات من تحكم حماس بغزة وما آلت إليه احوال القطاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ورغم أن النقد في بلادنا غير محبوب ومكروه، إلا أنه دونه فإن الحال سيظل على سوئه. وحين يتعلق الامر بالثقافة ومنع كاتب من المغادرة لحضور فعالية ثقافية لأن ثمة جنرالا أو امبراطورا مهووسا بملكوت هواجسه وأفكاره، فإن ما يجري هو خصي للثقافة وتقزيمها، وهي عملية تمت ببطء وبتدرج وبصبر خلال السنوات الماضية. حتى أن أضحت فصائل العمل الوطني للأسف على اختلافها في ذلك مع حماس لا تتحرك إلا في المساحة الضيقة المتاحة لها من قبل حماس. وهذا يعكس ماهية الثقافة السياسية السائدة. 
ماذا فعلت حماس للثقافة خلال السنوات السبع الماضية منذ سيطرتها على غزة؟ كم كتاباً طبعت؟ كم مهرجاناً ادبياً رعت ونظمت؟ كم مؤتمراً ادبياً أقامت للبحث في واقع الأدب الفلسطيني؟ كما موهبة تم رعايتها والعمل على تنميتها؟ كم مسرحاً تم تشييده أو دار سينما تم بناؤها؟ كم مسابقة أدبية تم رعايتها وتم خلالها رفد المشهد الادبي بقدرات جديدة؟. أسئلة مشروعة يمكن توسيع علامات الاستفهام لتشمل الكثير من الفعاليات الثقافية. 
المؤكد ان الثقافة أكثر ضحايا الإنقسام تاثراً بجراحها، رغم أن احداً لا يلتفت لها ولأهميتها. ومن السهل رمي كل شيء، طبقاً للسابق، على كاهل الإنقسام. لكن ايضاً من حقنا أن نسأل حماس ماذا فعلت للثقافة، وماذا قدمت من اجل تطويرها؟ بل إن البعض قد يرغب بالسؤال عن ماهية الثقافة التي ترغبها حماس او ترغب أن تسعى ورائها. 
بالطبع هذا لا يشمل الثقافة الحزبية التي لابد أن تكون قد تدللت وتم الصرف عليها كثيراً، وهذا قد لا يكون معيباً فهو حق حزبي وشان حزبي صرف، لكن حين يتعلق الامر بالثقافة العامة والواجبات كحكومة فإن السؤال يكون اكثر عمقاً، واستحقاقاته اكبر.
يمكن تلمس بعض الاجابات. 
وكثيرها موجود في تقارير حقوق الإنسان ولا يقع في باب الاجتهاد او التجريح. فقط نظرة سريعة يمكن ان تتحدث عن عشرات الانتهاكات والمنع لنشاطات ثقافية وفعاليات ادبية وتقاليد تراثية. أيضاً إلى جانب ذلك يمكن تفكيك منظومة مؤسسة العمل الثقافي للكشف عن التصور الحزبي الصرف للاشتباك الثقافي. مثلاً أقامت حماس اتحاداً موازياً لكل اتحاد موجود في خطوة لا يمكن فهمها إلا انها تعزيز للانقسام حيث تم نقل آفته اللعينة إلى اكثر الأشياء حصانة ضده: الثقافة. مثلاً قامت حماس بتأسيس رابطة الكتاب والادباء الفلسطينيين في غزة لتكون بديلاً لاتحاد الكتاب والادباء الفلسطينيين رغم أن الكثير من الكتاب المحسوبين على حماس وبعضهم قادة فيها وناطقون رسميون باسمها هم اعضاء في الاتحاد، وحين منحت لهم العضوية لم يسألهم أحد عن حزبهم او انتمائهم، لأن الانتماء الوحيد هو الانتماء للكتابة. بالطبع لا حاجة ادبية ولا ضرورة إبداعية لوجود مثل هذه الرابطة إلا تأسيس أجسام بديلة لاتحاد ترأسه غسان كنفاني وأبو سلمى ومحمود درويش وغيرهم، وشعاره "بالدم نكتب لفلسطين". 
والأمر ذاته ينسحب على الاتحادات الأخرى مثل اتحاد الفنانين ونقابة الصحافيين. كل هذه الإجراءات ليست بمساهمات بل معاول هدم في جسد الثقافة المنهك أصلاً والذي لم يجد من يضمد جراحه بل يعززها.
وحالة الثقافة الفلسطينية هو ان تخرج مسيرة في غزة لداعش تجوب شوارع غزة ومرخصة طبعاً كما قيل، فيما لا تخرج تظاهرة صغيرة ضد جريمة داعش بحق الطيار الأردني الكساسبة وما شكله حرقه من اعتداء صارخ على تعاليم الإسلام الحنيفة. هو ان يتم تقديم غزة بوصفها مسرحاً محتملاً للتطرف لا مكاناً يعكس التنوع الذي يحمله قلب البحر الذي تشاطئه المدينة المنكوبة بحروب مستمرة من قبل أكبر آلة بطش في التاريخ. 
ان يرتبط مصير القطاع بأهواء وخيالات شخصية للبعض هو رمي للقطاع ومستقبله السياسي ولهويته الوطنية في متاهات لن يخرج منها بسهولة. إن فكرة منع مواطن من الخروج من وطنه لا يمارسها إلا الاحتلال، وإن قمع الحريات لا يمكن ان يمارسه شعب يبحث عن الحرية، ليس من باب فاقد الشيء لا يعطيه، بل من باب ان الحرية هي أساس الكرامة الوطنية، ولا يصادرها من يبحث عنها أساساً. أسوأ اناس في الحكم هم من يحترفون البلاغة والخطابة، لأن قواعد الحكم ليست بحاجة للكثير من الكلمات المقعرة والعبارات الجوفاء، بل بحاجة لاجراءات عملية تنتشل الناس من قسوة الظروف إلى بحبوحة ورخاء. اما أولئك المترفون في قواميسهم، الذين لا يرون كيف يتغير العالم حولهم، فسيظلون مكبلين باوهامهم عن الحقيقة التي حتماً هي خارج عقولهم ولا تربطهم بها أي صلة. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن حماس والثقافة عن حماس والثقافة



GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 17:35 2016 الأربعاء ,28 كانون الأول / ديسمبر

الجزائر تحظر الألعاب النارية وتصنفها "عتاد حساس"

GMT 10:57 2015 الجمعة ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المصارعة الحرة تتهم ري مستريو بالقتل غير المتعمد

GMT 18:04 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

أشهر كذبات نيسان التي صدقها كثيرون

GMT 09:28 2017 الإثنين ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ليلى فتاة سورية لجأت الى فرنسا تبحث عن والدها المخطوف
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday