داعش وأزمة الدولة العربية
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

"داعش" وأزمة الدولة العربية

 فلسطين اليوم -

داعش وأزمة الدولة العربية

د.عاطف أبو سيف

يثير خروج المجتمع الدولي لمحاربة تنظيم الدولة "داعش" سؤال الدولة الوطنية في الوطن العربي مرة أخرى، فحقيقة وجود "داعش" يعني انه لا يوجد دولة بالمعنى الحقيقي في العالم العربي، حيث إن الدولة العربية تعاني من تمزق وتفتت وسيطرة جزئية لمجموعات مسلحة مختلفة خصوصاً في العراق وسورية إلى جانب ما تعانيه دول المغرب العربي واليمن.
بالطبع "داعش" تسيء للعرب وللمسلمين أكثر من أي شيء آخر، ولو كانت هناك دولة عربية حقيقية تفهم مصالح العرب لما انتظرت عشر دول عربية حتى يعلن أوباما نيته تشكيل تحالف لضرب "داعش" حتى تنظم إليه، كان بإمكان هذه الدول العشر أن تأخذ زمام المبادرة، لكن حقيقة الأمر أنه لا توجد دولة حقيقية في العالم العربي قادرة على أن تمثل شعبها وتحمل همومه.
ليس للعرب أي وزن في المجتمع الدولي، ولو كان لهم ذرة من هذا الوزن لما وصلت حالتهم إلى هذا الحد الذي باتوا فيه مسرحاً تجري على أرضه التفاعلات دون ان يكون لهم أي تأثير في مخرجاتها.
فرغم ما تمتلكه الدول العربية من عوامل القوة سواء الناعمة منها او الخشنة إلا انهم لا يمثلون شيئاً في مجتمع القوة في العالم، فالدولة العربية بالكاد "تمون" على مواطنيها بل هي ليست صاحبة ولاية على نفسها إذ إن جل الدول العربية تعاني من تمزق وتفتت وجماعات إرهابية وانفصالية ومتمردة وأسماء كثيرة، النتيجة الحتمية لذلك أن الدولة ليست دولة بالمعنى الحديث.
صحيح أن الدولة المعاصرة بشكل عام تعاني من نقص في سيادتها حيث إن تكنولوجيا المعلومات وسهولة التواصل والاتصال وحركة رأس المال كلها قضمت من أسلاك السيادة الفعلية لا الافتراضية للدولة، لكن رغم ذلك فإن الدول الحقيقية تحافظ على قسط مهم وكبير من السيادة داخل أراضيها. وحين تصبح الدول تعاني من أزمة شرعية مع مواطنيها، كما هو الحال مع جل الدول العربية، وتصبح غير قادرة على التعامل مع مواطنيها الذين لا علاقة لهم بمؤسسة الحكم، فإنها تفقد الكثير من مقومات الدولة التي باتت تعتمد اكثر على "جودة" الحكم لا على حقيقة الحكم ذاته.
من هنا فإن المنطقة العربية لم تصل بعد إلى مستوى الدولة الوطنية الحقيقية، إذ يجوز القول إنها في مرحلة ما قبل التكوين الحقيقي للنظام السياسي المعاصر.
إن مفهوم "الجودة" بات أساساً في الحكم على الدولة وعلى تمثيليتها لمواطنيها ومقدرتها على الدفاع عن مصالحهم.
الدولة العربية لا تمثل مواطنيها إلا في حالات نادرة ولفترات غير طويلة، إذ إن جميع الانتخابات الديمقراطية المفترض أنها جرت في البلدان العربية قادت إلى حروب أهلية وتمزق وفرقة، بدلاً من أن تقود إلى وحدة واتحاد والتفاف المواطنين حول مؤسسات الدولة والدفاع عن شرعيتها المتجددة بفعل كل انتخابات.
ليس هذا فحسب بل إن المواطنين في حالات الفعل السياسي يجدون أنفسهم عرضة لتصرفات الدولة وبطشها وليسوا مشاركين حقيقيين في دينامية العمل السياسي، فالحقل السياسي مغلق أمامهم وهم لا يستطيعون اختراق الأسلاك الشائكة التي تقيمها الدولة حول قلاع الحكم ومؤسساته.
وعليه فالدولة وإن كانت تتحدث نفس اللغة بحروفها ومنطوقها فلغة التواصل والتفاهم مع المواطنين معدومة، الدولة غريبة عن مواطنيها الذين يشعرون أنها لا تنتمي إليهم ولا ينتمون إليها، ينعكس هذا في مدى تفاعلهم مع مؤسسات الدولة وتواصلهم معها، وهو تواصل محدود مقصور فقط على الواجبات وليس على الحقوق، التي هي أساس أي علاقة تعاقدية بين الفرد المواطن وبين مركبات الدولة بوصفها جهة واحدة موحدة.
وفي ظل غياب التعاقد أساساً، يصبح المواطن مجرد رقم آخر من تلك الأرقام الكبيرة التي توجد في سجلات الدولة الرسمية ولا يعدو طرفاً متعاقداً في الحكم، ولا يتدخل في تفاصيله.
شكل الربيع العربي فرصة نادرة من اجل إعادة تصويب العلاقة بين مجتمع المواطنين وبين الدولة حين خرج المواطنون يطالبون بدور تمثيلي لهم في صنع سياسات الدولة، ورغم الإخفافات التي صاحبت هذا الربيع إلا أنه كان مبشراً في أشهره الأولى حين نجح المحتجون في خلع رؤساء النظم التي كانت تحكمهم وفرضوا إجراءات ديمقراطية من نوع ما تعيد القرار في التمثيل للمحتجين بوصفهم المواطنين القادرين على القيام بالاختيار بشكل سليم.
وأنا كنت ممن قالوا إن الربيع العربي قد يشكل المرحلة الثانية من مراحل بناء الدولة الوطنية في المجتمع العربي حيث يقوم المواطنون باستعادة الدولة التي سلبت منهم بعد نشوئها إثر عمليات تفكك الاستعمار وهزيمته. لقد شهدت المرحلة الأولى في بناء الدولة الوطنية مرحلة استلاب للدولة من قبل نخبة اختلفت في أصولها ومرجعياتها وفهمها أيضاً لدور الدولة، فمنهم من كان تحرريا وطنيا ثوريا أغفل كل شيء في سبيل الالتزام بقضايا التحرر وبالتالي تحول تدريجياً الى نظام قمعي تسلطي يلغي قيم المواطنة، ومنهم من عمل ضمن مفهوم فئوي طائفي خالص تحت مظلة أيديولوجيا فضفاضة لا تحمل أي معنى له علاقة بحياة الناس، ومنهم من ظن نفسه المخلص المنقذ لمواطنيه من براثين الجهل والغيب دون أن يتمكن حقيقة من أن يرى هؤلاء المواطنين كمواطنين بل جماهير عريضة تنتظر الخلاص على يديه.
مع اندلاع التظاهرات في شوارع المدن العربية باستثناء "امبراطوريات النفط" التي تم قمع التظاهرات الوحيدة فيها في ساحة اللؤلؤة في البحرين، كان واضحاً ان أصحاب الوديعة (المواطنين) يريدون ان يستردوا وديعتهم (الدولة)، من هنا تم الاشتباك مع مؤسسات الدولة المسلوبة مثل أجهزة الأمن والشرطة.
النتيجة الآن بعد سنوات من حرق بوعزيزي نفسه هو أن الربيع العربي لم يكن ربيعاً، ولم يستطع المواطنون فيه أن يستعيدوا الدولة، إن مناقشة مآلات الربيع العربي وتجارب مثل تجربة مصر وتجربة تونس وتجربة العنف في سورية تكشف لنا كيف أن ما حدث كان مرحلة تفكك للدولة وليس بناء لها.
هذه المرة تتعمق الأزمة حين نكتشف عجز الدولة العربية عن صوغ مفهومها للخطر وللتهديد الخارجي ومقدرتها على الاستجابة لهذه الأخطار والتهديدات وحين تصبح دولة تابعة ليس فقط فيما يتعلق بالأزمة الإقليمية بل أيضاً فيما يتعلق بأمنها ومواطنيها، حيث تقوم دولة داخل الدولة وتتحرك جيوش العالم لقمع تلك الدولة وتكون الدولة العربية مجرد طرف في تحالف دولي أوسع. هل من دولة عربية؟!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

داعش وأزمة الدولة العربية داعش وأزمة الدولة العربية



GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 00:06 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير داخلية بوينس آيرس يستقيل من منصبه

GMT 01:24 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

النجم جورج وسوف يحيي حفلة غنائية في فرنسا

GMT 21:04 2017 الأربعاء ,05 تموز / يوليو

نجم الفريق تامر صيام يحسم موقفه من هلال القدس

GMT 05:49 2017 الخميس ,12 كانون الثاني / يناير

هنا الزاهد نؤكد خوض تجربة المسلسل الكارتوني لأول مرة

GMT 07:21 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

6 أخطاء شائعة يجب تجنبها عند إنشاء "كملة سر" صعبة

GMT 10:51 2019 الأحد ,07 إبريل / نيسان

هنري جاك يواصل إبداعه في مجموعة Les Classiques de HJ

GMT 00:18 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

طريقة تحضير مشروب التمر هندي بالكركديه
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday