الدولة الإسلامية أم حتمية الحداثة
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

"الدولة الإسلامية" أم حتمية الحداثة؟

 فلسطين اليوم -

الدولة الإسلامية أم حتمية الحداثة

خالد الحروب

ينبني النموذج النظري لـ «الدولة الاسلامية» كما يراه وينظر له أمحمد جبرون الباحث والجامعي المغربي في كتابه الجديد “مفهوم الدولة الاسلامية: ازمة الاسس وحتمية الحداثة” على ثلاثة اركان هي: البيعة, العدل, المعروف, وتشكل في مجموعها والنقاش حول تطورها والاشكال التي اتخذتها العمود الفقري للكتاب. وهي، بحسب المؤلف، قلب وجوهر التسيس الاسلامي، ومناط اسسه واهدافه، إذ يقول: «ومن خلال مطالعة متأنية لنص القرآن, وتدبر سياسي لآياته من جهة, وقراءة متفحصة للتجربة التاريخية للرسول, بروح عصرية وأدوات معرفية مُستمدة مما أسلفنا قوله على مستوى فهم القرآن, وفقه السنة, اهتدينا إلى جملة من المبادىء الكلية التي يرجع إليها تدين الدولة او اسلاميتها في التجربة التاريخية الإسلامية، وهي على التوالي: البيعة, والعدل, والمعروف». ورغم الاهمية البالغة التي ينسبها المؤلف لهذه ألاركان الثلاثة فإنه لا يخبرنا بمنهجية الإهتداء إليها وعلى اي اسس استنباطية اختارها. بل ثمة قدر من الانتقائية الواضحة، إن لم نقل الاعتباطية في اعتمادها. لماذا، مثلا، لا تكون الاركان المؤسسة للتسيس الاسلامي هي تلك التي قال بها محمد عابد الجابري: الشورى, والتفريق بين الرسالة والسياسة, والمسؤولية العامة والفردية؟ ولماذا لا نقول ان الحرية بمفهومها الواسع والانعتاقي من السلطة والجبر هي احد اركان واهداف التسيس الاسلامي؟ ولماذا لا نقول ان المساواة, وليس العدل هي التي تستحق ان تكون واحدة من تلك الاركان. 
وبعيدا عن حسم الخلاف حول اي من هذه المفاهيم يستحق ان يكون ركنا من «الاركان»، فإن ما هو مهم منهجيا توضيح المبرر المنطقي والجدلي الذي يسوغ تضمين احدها واستبعاد آخر.
واستطرادا لأولويات المفاهيم المركزية ولدفع النقاش مع المؤلف إلى مساحات اضافية، يمكن الزعم هنا ان مفهوم المساواة وهو المفهوم الثوري الكبير الذي حققته الحداثة السياسية اهم بكثير من ناحية التأسيس لفكرة الدولة ودولة الحداثة عموما، ودولة “الحداثة الاسلامية” خصوصا، من مفهوم العدل. المساواة اهم من العدل لأن مركزية هذا الاخير والتوق له تحصيل حاصل رغم طوباوية تحققه التام على الارض. فكل منظومة فكرية وفلسفية وكل تجسيد سياسي واجتماعي لتلك المنظومات يولي الاهتمام الاولي لقيمة العدل وإعلاء مكانته. بيد ان المساواة بين الافراد بغض النظر عن العرق والدين واللون والمرتبة الاجتماعية هي التحدي الكبير الذي يواجه التنظير، والتجسيد العملي، لفكرة الدولة الاسلامية الحديثة. وفي قلب هذا التحدي تقع فكرة المواطنة الكاملة التي تدفع بولاءات الافراد الفرعية إلى الهوامش وتعتبر ولاءهم للدولة وبكونهم مواطنين فيها هو الاولي والاساسي. وهنا، في قراءة وبحث جبرون، لا نجد التقعيد المطلوب لفكرة المساواة وموضعتها في نظرته وتنظيره للدولة الاسلامية. ولا نجد على سبيل المثال، وارتباطاً بمسألة المساواة، اي نقاش معمق لموضوعة غير المسلمين في الدولة الاسلامية المُنظر لها.  
وربما امكن القول هنا: ان خفوت موضوع المساواة في مقاربة الكتاب يقودنا الى مسألة اشكالية اخرى وهي الاعتماد على خصوصية الحالة المغربية التي استولت على المؤلف واعتبرها المثال التوضيحي، عبر تفكيكه وفهمه، للنموذج النظري الذي يقترحه. فمن ناحية اولية، تنحصر معالجة الكتاب في التجربة السياسية العربية (وليس الاسلامية بشمولها) قديما وحديثا. وفي الإطار العربي «الحديث» تفرد مساحة موسعة لمناقشة الحالةالنموذج التي تم تطبيق «النموذج النظري» عليها وهي حالة المغرب. ويبرر المؤلف هذا التركيز والاستدلال في المغرب بكون “... الدولة المغربية خلال العصر الحديث من الامثلة التاريخية النموذجية التي تعكس بجلاء اعطاب الدولة الاسلامية (دولة العصبية)، وقصورها في هذا المنعطف التاريخي الحاسم ...”. بيد ان الحالة المغربية وتطورها وتاريخها تتسم بخصوصية لا تمثل او تعكس بقية العالم العربي او الاسلامي, وتثير بالتالي اشكالية منهجية حول مدى فعالية النموذج النظري. فالمغرب يمتاز مثلا بالتناغم الديني وعدم وجود مواطنين غير مسلمين بنسب مهمة, وبسيرورة تاريخية تمتد عدة قرون من حكم شبه متصل (دولة المخزن ماضيا وحاضرا), وبسبب ذلك يبدو تطبيق النموذج النظري (البيعة, العدل, المعروف) الذي يركبه المؤلف/المؤلفة على الحالة منطقيا. لكن سوف نصطدم بمشكلات منهجية من نوع مختلف لو طبق ذلك النموذج  في منطقة اخرى مختلفة عن المغرب, مثلا في المشرق, حيث التعددية الدينية, وحيث سيرورات الحكم المناطقي تحت ظل الدولة العثمانية مختلفة عن السيرورة المغربية, وهكذا. ففي حالات كثيرة لن نجد استمرارية مباشرة او غير مباشرة لذلك النموذج الذي لو استمر من دون انقطاع لقاد المسلمين وبلدانهم الى حداثتهم السياسية كما تقترح المخطوطة. وهكذا فإننا لا نستطيع الخلوص إلى مبادىء نظرية تتأسس على التجربة التاريخية ويكون طموحها الاسهام في «الحداثة السياسية» لمفهوم الدولة الاسلامية من دون التعرض للسيرورات التاريخية في شكل التسيس الحديث في المجتمعات والدول المسلمة في اندونيسيا, وماليزيا, وتركيا, على سبيل المثال, واختبار النموذج النظري الذي يقترحه المؤلف.
فضلا عن ذلك فإن التطبيق المعاصر لبعض اركان النموذج النظري يثير تساؤلات منهجية ايضا, مثلا كل دول الخليج تعتمد على مفهوم «البيعة» في إطار “أهل الحل والعقد” في شرعنة الأنظمة القائمة. فأين نضع هذا في سياق تطور سيرورة هذا الركن, وهل يختلف توظيفه عن التوظيف التاريخي من قبل النخب الحاكمة, وهل صلابته في هذه الدول تقف في وجه آلية البيعة في العصر الحديث المتمثلة في الديموقراطية والانتخابات؟
ما لا يبدو واضحا تماما ايضا، هو موضعة السياق والنص في تشكل وتطور “الدولة الاسلامية”.  ففي الوقت الذي يكرر فيه المؤلف ضرورة عدم الخضوع للسياق لتحديد مفهوم الدولة الاسلامية عند المفكرين المعاصرين, فإنه يخضع عمليا «مفهوم الدولة الاسلامية» لفقه التاريخ (اي السياق بشكل او بآخر), ويؤكد على «الشرعية الاخلاقية» للتاريخ غير المتوائم مع المثال الطوباوي ويكشف عن «الإكراهات» التي مرت بها تلك الشرعية وأهمية فهم وقبول تلك الاكراهات التي شكلت الصيغة التي تبلورت إليها «الدولة الاسلامية». وكل ذلك قد يشير إلى قبول لإكراهات السياق في الماضي, ورفضها في الحاضر. في الوقت ذاته يحتاج المؤلف إلى التوسع في فكرة نقده خضوع الاسلاميين لمسألة السياق في تطوير افكارهم إزاء «الدولة الاسلامية الحديثة», وتناول السؤال النظري والمعمق حول تطور الافكار وتبلورها في اي زمن ما والعلاقة العضوية المشتبكة دوما مع السياق  مقابل سلفية الافكار التي تنقطع عن السياق وتتعالى عليها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدولة الإسلامية أم حتمية الحداثة الدولة الإسلامية أم حتمية الحداثة



GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 10:32 2024 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

ليدي غاغا تتألّق في حفل جوائز الأوسكار 2023

GMT 08:10 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

أحمد زاهر يبدي سعادته بدوره في فيلم "هروب اضطراري"

GMT 16:52 2016 الخميس ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو موسى يحل ضيفًا على MBC" مصر" الجمعة

GMT 13:16 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

المُكرّمون في احتفالية محمد صبحي بمسيرته يردون على الهجوم

GMT 03:47 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تحطم طائرة استطلاع فرنسية في النيجر
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday