غزة ـ كمال اليازجي
كانت الممرضة رزان النجار، "ملاك الرحمة"، حاضرة في كل الميادين، تخاطر بحياتها وتتقدم الصفوف لإنقاذ المصابين على مدى أكثر من ستين يوماً من عمر مسيرات العودة شرق محافظة خان يونس،.وأكثر ما ميز رزان، شجاعتها، فهي الوحيدة التي كانت قادرة على الوصول إلى المصابين في أخطر المناطق، أو كما كانت تسميها "نقطة الصفر"، حين تتوجه لإسعاف أعضاء من وحدة قص الأسلاك، ممن كانوا يصابون أمام السياج الفاصل مباشرة.
صحيفة "الأيام" جالت بين المتظاهرين والنشطاء والممرضين، وحصلت على شهادات تستذكر مواقف شجاعة لـ"ملاك الرحمة"، خلال مغامرتها بحياتها لإنقاذ حياة الجرحى.وقال المتظاهر إبراهيم المصري: إنه شاهد رزان تتقدم نحو مصاب بجروح خطرة، كان الاحتلال يحاول منع الأطقم الطبية من الوصول إليه، عبر إطلاق النار حوله، لكنها اندفعت نحوه بكل جرأة، متحدية الرصاص حتى وصلت إليه، وقدمت الإسعافات الأولية، إلى أن وصلت سيارة إسعاف ونقلته.وأضاف: لم تترك رزان الجريح حتى اطمأنت إلى أنه حمل إلى سيارة الإسعاف، وتحركت الأخيرة به إلى النقطة الطبية، وقبل أن تغادر موقعها الخطر جداً، التفتت يميناً ويساراً، وحين أطمأنت إلى خلو المنطقة من المصابين عادت مترجلة إلى الخلف.
بينما يقول الفتى خالد صلاح: إنه أصيب في إحدى الأيام باختناق شديد جراء استنشاقه غاز مسيل للدموع، وكان يشعر بذعر شديد نتيجة عدم استطاعته التقاط أنفاسه، وحين تقدمت رزان نحوه، لم تقدم له الإسعاف الطبي فقط، بل أسعفته نفسياً، عبر محاولة تهدئته وطمأنته إلى أن صحته جيدة، وساعدته ببعض التعليمات الشفهية على تخطي الحالة الصحية الصعبة التي كان يعاني منها.
وأضاف: ظلت إلى جانبي ولم تغادر حتى استطعت التقاط أنفاسي بصورة طبيعية، حينها ابتسمت وغادرت تبحث عن مصاب غيري تقدم له الإسعاف.. لم تكن مجرد ممرضة أو مسعفة، كانت فتاة مفعمة بالإنسانية.رددت رزان في الكثير من اللقاءات التلفزيونية والصحافية عبارات تؤكد أن حياتها رخيصة أمام واجبها الإنساني والوطني، ففي آخر تغريدة لها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قالت "راجع ومش متراجع"، في إشارة إلى استمرارها بتقديم الإسعافات للجرحى، رغم ما شكله ذلك من خطر على حياتها.
كما قالت رزان، في لقاء سابق مع "الأيام": إن ما كانت تفعله على حدود محافظة خان يونس، هو شكل من أشكال النضال، فالمتظاهر الذي يقدم حياته رخيصة من أجل الوطن، يستحق أن يضحي الممرض والطبيب بحياته من أجل إنقاذه.واستذكر زملاء رزان مواقفها البطولية وشجاعتها الكبيرة، وكيف كانت تحثهم على التخلي عن الخوف والتردد والتقدم ناحية السياج الفاصل، والوصول للجرحى حتى وإن كانوا في أخطر المناطق.
وقال أحد الممرضين وكان يجهش بالبكاء في وداع زميلته: كان ثمة مصاب بجانب السياج الفاصل، ولم يستطع أحد الاقتراب منه، فطلبت مني مرافقتها للوصول إليه، فأبديت تردداً، حينها نهرتني وقالت: "هي موتة وحدة خليها تكون مشرفة"، حينها تخليت عن خوفي وتقدمت معها إلى المصاب، حاولنا تقديم الإسعافات له، وقمنا بإخلائه، ومن ثم جرى نقله إلى النقطة الطبية، لكننا علمنا لاحقاً باستشهاده.
بينما يقول المتظاهر محمود طاهر: إن رزان كانت حاضرة في كل المواجهات والتظاهرات شرق خزاعة، وامتازت بخفة حركتها واستعدادها الدائم للتنقل، اذ كانت ترتدي حذاء رياضيًا خفيفًا، وتركض بسرعة، لتبدو كالملاك الطائر.
وأضاف: كنا نراها تارة يمين المتظاهرين وتارة على شمالهم، وفي أغلب الوقت تتقدم الصفوف، وقليلاً ما كانت تتراجع لالتقاط أنفاسها وأخذ استراحة قصيرة، كانت دائمًا تحمل حقيبة صغيرة بها مواد إسعافية لتقدمها للجرحى، وأسهمت في إنقاد حياة العشرات من الجرحى، خاصة من المصابين بالرصاص المتفجر.وكانت آخر ساعات في حياة رزان مفعمة بالشجاعة والإقدام، فقد وثقت عدسات المصورين الصحافيين وجودها إلى جانب أكثر من جريح، وإسهامها في تقديم الإسعافات لهم.
ووثقت "الأيام" شهادات حية من ممرضين ومتظاهرين عملية إصابة رزان، إذ تقدمت لإسعاف مصاب من وحدة قص الأسلاك كان ملقى على الأرض، وبعد أن وصلت له وأسعفته، بادرها قناص إسرائيلي يختبئ خلف تلة رملية شرق مخيم العودة ببلدة خزاعة برصاصة دخلت من صدرها وخرجت من ظهرها.
ورغم صعوبة الإصابة قاومت رزان ومشت عدة خطوات إلى الخلف دون أن تنطق بكلمة واحدة، ثم سقطت مغشية عليها، حيث نقلت على عجل إلى النقطة الطبية ومنها إلى مستشفى غزة الأوربي، لتلفظ أنفاسها الأخيرة بينما كان الأطباء يحاولون إنقاذ حياتها.
أرسل تعليقك