أضاءت عواصم العالم ليلة الأحد، أنوارها ابتهاجا باستقبال العام الميلادي الجديد وسط دعوات وأمنيات بأن يحل الأمن والسلام على هذا العالم، أما الصورة في الأراضي الفلسطينية فمختلفة تماما، والأمنيات هي ذاتها تتجدد في كل عام أبرزها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتبعاته على كل مناحي الحياة هذا من جهة وإنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق وحدة وطنية فلسطينية حقيقية من جهة أخرى
اليوم وفي أول أيام العام الميلادي الجديد قمنا بجولة ميدانية في شوارع وأسواق مدينة غزة التي بدت شبه خالية من المواطنين، اعتقدنا في البداية بأن الأحوال الجوية هي السبب في امتناع الناس عن التسوق لكن بعد سلسلة لقاءات مع أصحاب المحال التجارية خاصة الملابس أكدوا لنا أن أيامهم متشابهة وأن حركة البيع والشراء شبه معدومة، نتيجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر فيها قطاع غزة.
وقال أبومحمد مطير صاحب محل لبيع الملابس في حي الرمال الشهير: "بداية العام الجديد كانت تعتبر موسم خير وربح لنا، إذ تكثر حركة الشراء خاصة من قبل السيدات، هذا العام الوضع مختلف تماما وجميع التجار يسجلون خسارات كبيرة، الزبائن تدخل المحلات لتلقي نظرة على البضاعة ومن ثم تخرج دون أن تشتري".
وأرجع جاره أشرف السموني سبب ذلك إلى أزمة الرواتب والخصومات التي تطال موظفي قطاع غزة، وأضاف: "لا يوجد أمان وظيفي لدى آلاف الموطنين في القطاع لذا يفضلون صرف ما لديهم من مال على أولويات واحتياجات أساسية".
ركود تجاري
شهد عام 2017 حالة من الركود التجاري لم يسبق لها مثيل نتيجة لخصم نحو 30% إلى 50% من رواتب موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية في المحافظات الجنوبية فقط, حيث تسبب هذا القرار بخلل كبير في حركة دوران السيولة النقدية ونقصها من الأسواق وكانت له تداعيات خطيرة وكارثية على كل مناحي الحياة في قطاع غزة، حيث إن الجزء الأكبر من الموظفين مديون للبنوك ومجمل ما يتقاضونه شهريا لا يتجاوز 40% من إجمالي الراتب في أحسن الأحوال وبعد خصم قيمة 30% من الراتب لن يتبقى لهم شيء يعتاشون منه ويسددون التزاماتهم وديونهم بدءا من البقالة حتى إيجار المسكن, بالإضافة إلى عدم التزامهم في سداد فواتير الخدمات الخاصة بالكهرباء والمياه والاتصالات, وأدى ذلك إلى إغلاق عدد من المحلات التجارية والمصانع والمطاعم
أزمات متراكمة
ولعل الأزمة الاقتصادية واحدة من مجموعة أزمات متراكمة على مختلف الصعد تواجهها الأراضي الفلسطينية، وجميعها مردها إلى استمرار الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يتوقف عن إجراءاته العقابية بحق الفلسطينيين إضافة إلى الجرائم التي يرتبكها بحقهم من قتل واعتقال وتدمير وتقطيع أوصال مدنهم ومصادرة أراضيهم وتدنيس مقدساتهم وحصاره لقطاع غزة وغير ذلك.
وانتهى العام الجديد مخلفا وراءه قائمة طويلة من الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين فقد كشفت مؤسسات تعنى بشؤون الأسرى أن (6742) فلسطينيا اعتقلتهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي من الضفة الغربية وقطاع غزة خلال عام 2017، كان من بينهم (1467) طفلاً، و(156) امرأة، و(14) نائبا في المجلس التشريعي الفلسطيني، و(25) صحافيا.
وبلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال حتى نهاية العام نحو (6500) أسير، منهم نحو (350) طفلاً قاصراً، و(58) أسيرة، بينهنّ (9) فتيات قاصرات، و(450) معتقلا إداريا، و(22) صحافيا، و(10) نوّاب.
وأكّدت المؤسسات في تقريرها المشترك أن أعلى نسبة اعتقالات كانت خلال كانون الأول/ ديسمبر 2017، باعتقال (926) فلسطينيا، نصفهم من مدينة القدس، إذ شنّت قوّات الاحتلال الإسرائيلي حملة اعتقالات واسعة في الضّفة الغربية لا سيما بعد اندلاع الاحتجاجات على إعلان الرّئيس الأميركي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، وجميعهم تعرّضوا للتعذيب الجسدي أو النفسي أو المعاملة اللّا إنسانية، بينما تعرّض (60 في المئة) منهم لاعتداءات جسدية وحشية.
وأشار التقرير إلى أن مدينة القدس شهدت أعلى نسبة اعتقالات خلال عام 2017، باعتقال (2436) مواطناً، ثلثهم من الأطفال، علما بأن معظمهم كانوا تعرّضوا للاعتقال سابقاً وأُفرج عنهم بشروط، إما بغرامات مالية وكفالات مالية، أو ضمن ما يسمى بـ"الاعتقال المنزلي".
ومع بداية العام الجديد 2018م، ما زالت مدينة القدس تعاني ويلات الاحتلال، لا سيما بعد إعلان تهويدها كعاصمة لإسرائيل من قبل الرئيس الأميركي ترامب، وتستقبل العام الجديد في ظل سياسات التهويد الإسرائيلية التي طالت كل جزء فيها من مساجد وكنائس ومعالم أثرية.
عام الاستيطان بامتياز
وفي ما يتعلق بملف الاستيطان أوضح تقرير أصدره المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، أن أرقام وعدد الوحدات الاستيطانية التي شهدها عام 2017 هي الأعلى والأضخم منذ عام 1992م، لهذا كله، فإن عام 2017 في الحسابات الاحتلالية يعد عام الاستيطان الصهيوني بامتياز.
وأعلن وزير الإسكان والبناء الإسرائيلي يؤافغالانت أن حكومته تخطط لبناء مليون وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية والقدس، خلال الأعوام العشرين المقبلة وأن نسبة 20 إلى 30% منها ستقام في مدينة القدس. ولن يشمل حدود القدس الحالية، بل مناطق في ما أسماه "مشروع القدس الكبرى والقدس الغربية"، وهو مشروع إسرائيلي يهدف إلى ضم مستوطنة معاليه أدوميم الواقعة شرق مدينة القدس المحتلة وإحدى أكبر مستوطنات الضفة، إلى المدينة والاستيلاء على 12 ألف دونم تمتد من أراضي "القدس الشرقية" حتى البحر الميت (شرق)، كجزء من مشروع لفصل جنوب الضفة عن وسطها.
البطالة والفقر السمة الأبرز
وشهد عام 2017 ارتفاعا غير مسبوق في معدلات البطالة وحسب مركز الإحصاء الفلسطيني فإن معدل البطالة في قطاع غزة بلغ 46.6% في الربع الثالث من عام 2017 وتجاوز عدد العاطلين عن العمل ما يزيد على 243 ألف شخص، وحسب البنك الدولي فإن معدلات البطالة في قطاع غزة تعتبر الأعلى عالميا، وارتفعت معدلات البطالة بين فئة الشباب والخريجين في الفئة العمرية من 20-29 عاما الحاصلين على مؤهل دبلوم متوسط أو بكالوريوس في قطاع غزة لتتجاوز 67%.
وعلق الشاب إسماعيل الأشقر على الأوضاع العامة في فلسطين مع بداية العام الجديد بالقول: "انهالت علينا أزمات كثيرة ومتشعبة خلال العام الفائت فهو من أكثر الأعوام قهراً على جميع المستويات، ونتمنى أن يحمل العام الجديد أحداثاً مختلفة وإيجابية تحمل تغييراً نحو الأفضل للواقع الفلسطيني بشكل عام".
أرسل تعليقك