الأنظمة الغذائية

إن الأنظمة الغذائية التي تحتوي على نسب منخفضة من الكربوهيدرات (بين 5% إلى 30% من إجمالي السعرات الحرارية، أي ما يعادل 25 إلى 150 جراما يومياً) أصبحت تحظى باهتمام كبير في الوقت الحالي، حيث يجد العديد من الأشخاص أنها طريقة ناجحة لفقدان الوزن وتحسين الصحة، ولكن هناك أيضاً بعض الآثار السلبية وغير المتوقعة لهذا النوع من الأنظمة، حيث إنها قد تؤثر سلباً على وظائف المخ الإدراكية.

يستهلك مخ الإنسان من 250 إلى 300 سعر حراري يومياً، أي ما يعادل من 20% إلى 25% من استهلاك الطاقة من أجل القيام بالأنشطة الذهنية الأساسية. وعندما يتعلق الأمر بالغذاء، يفضل المخ الأطعمة السكرية البسيطة مثل الجلوكوز. وعندما لا تتوفر كمية كافية من هذه المواد، يؤدي ذلك إلى تغير المزاج وضعف التركيز. وبما أن جسم الإنسان ينتج الجلوكوز بشكل طبيعي من خلال الكربوهيدرات، فإن التقليل من تناولها يضعف الوظائف الإدراكية.

وفي دراسة أجريت عام 2008، قام علماء النفس بإخضاع 19 شخصا لنظامين غذائيين صارمين، أحدهما منخفض الكربوهيدرات والآخر مرتفع الكربوهيدرات لمدة 28 يوماً. وبعد ذلك تم اختبار سرعة ردود الفعل والذاكرة ومدى الانتباه لدى هؤلاء الأشخاص خلال فترة الدراسة. وبالرغم من أن الأشخاص في المجموعة الأولى شهدوا ارتفاعاً طفيفاً فيما يخص الانتباه والتركيز، إلا أنه كان لديهم بطء في ردود الفعل وضعف في الذاكرة البصرية.

وتوضح هولي تايلور، أستاذة علم النفس في جامعة تافتس: "يحتاج المخ إلى الجلوكوز للحصول على الطاقة، ولذلك يمكن للأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات أن تؤثر سلباً على الذاكرة والقدرة على التعلم والتفكير."

وبالرغم من أن المخ يعمل بشكل أفضل عند حصوله على الجلوكوز، إلا أنه بعد مرور حوالي 4 أيام من التوقف عن تناول الكربوهيدرات، تبين أن المخ يشبع 70% من احتياجه من الأجسام الكيتونية، وهي المنتجات الثانوية التي ينتجها الكبد عند تفتيت الأحماض الدهنية. وفي معظم الحالات، يتمكن المخ من العمل بشكل جيد من خلال الطاقة الناتجة عن هذه المواد، بمجرد أن يعتاد عليها بعد أسابيع قليلة.

وفي الحقيقة، أشار الباحثون إلى أن الأنظمة الغذائية قليلة الكربوهيدرات تحدث تحسناً في الوظائف الإدراكية لدى كبار السن مقارنة بالأنظمة التقليدية. وقد أوضحت الطبيبة النفسية إميلي دينز كيفية حدوث ذلك، حيث قالت إنه عندما يتغير الغذاء الأساسي للمخ من الجلوكوز إلى الكيتونات، فإن طريقة معالجة الأحماض الأمينية تتغير أيضاً، مما يقلل من مستويات الجلوتامات في المخ، وهي عبارة عن أحماض أمينية وناقلات عصبية قد تسبب ضرراً إن وجدت بكميات كبيرة. ولذلك فإن انخفاض نسبة الجلوتامات يقلل خطورة الإصابة بنوبات مرضية، وبالتالي توفير بيئة أفضل للتعافي.

ولكن هل يمكن أن يتبع الأطفال والمراهقون هذه الأنظمة الغذائية، وخاصة أن مخهم لا يزال في مرحلة النمو؟ فيما يتعلق بهذا الموضوع، نجد أن الأمور غير واضحة تماما نظراً لعدم وجود بيانات كافية. ولكن هناك دراسة نشرت في عام 2004 أظهرت بعض النتائج المقلقة فيما يتعلق بالأنظمة قليلة الكربوهيدرات. فلقد وجد الباحثون أن الفئران صغيرة السن التي اتبعت أنظمة غذائية تحتوي على نسب قليلة من الكربوهيدرات اكتسبت وزناً أقل من الفئران التي اتبعت أنظمة عادية (وهذا ليس أمراً صحياً خلال مرحلة النمو). كما أنها شهدت ضعفاً ملحوظاً في التعلم البصري والمكاني والذاكرة، والأهم من ذلك، تراجعاً ملحوظاً في نمو المخ.

لذلك، فإن الأنظمة الغذائية قليلة الكربوهيدرات تحدث النتائج المطلوبة لدى الأفراد البالغين ذوي الأوزان الزائدة، أما الأطفال الذين لا يزالون في طور النمو، فإنه يجب عليهم الامتناع عن هذا النوع من الأنظمة.