واشنطن ـ يوسف مكي
يتسلّل مقاتلو غزة مِن الذكور والإناث، وهم يرتدون ملابس عسكرية وأقنعة عسكرية عبر الشجيرات مُتخفين وممسكين ببنادق الكلاشينكوف وفوقهم الطائرات الإسرائيلية دون طيار تحاول الإمساك بهم.
ويقول أحد المقاتلين ويدعى "خالد" أن لواء المقاومة التابع له أعاد تزويد ترسانته بالأسلحة بالكامل منذ الحرب الأخيرة مع إسرائيل في العام 2014، والتي قُتل خلالها 2100 فلسطيني و72 إسرائيليا، ويقول قائدهم، الذي أحاطت به مجموعة من المقاتلين المدججين بالسلاح إن "الاحتلال الإسرائيلي يدفع باتجاه حرب جديدة ستكون أكبر وأكثر تدميرا من الماضي"، ويضيف: "إذا استمر الإسرائيليون في إطلاق النار وقتل الفلسطينيين على الحدود.. إذا استمروا في فرض الحصار على غزة فإن الحرب ستكون حتمية". ونادرا ما يظهر المقاتلون الذين يعملون في هيكل يشبه الزنزانة في الزي العسكري فوق الأرض لتجنب الضربات الجوية الإسرائيلية، ويقول أبوخالد إن غرفة العمليات المركزية التي تنسق الفصائل المسلحة في غزة لا تحظى إلا بالرد العيني على الهجمات من إسرائيل، حتى لا تصعد الموقف.
ويتصاعد الضغط هناك حيث قُتل أكثر من 130 فلسطينيا بنيران إسرائيلية خلال 14 أسبوعا من الاحتجاجات والاشتباكات على الحدود بين غزة وإسرائيل، وأطلق مقاتلو غزة قذائف من الصواريخ على إسرائيل، وردّ الإسرائيليون على الغارات الجوية، وتقول رئيسة وحدة لواء المقاومة المؤلفة من 10 نساء التي تأسست عام 2009، إن عليها أن تخطط جيدا للقادم.
وازدادت حتمية النزاع أكثر فأكثر هذا الأسبوع عندما شددت إسرائيل القيود على غزة، وأغلقت المعبر التجاري الوحيد مع إسرائيل، وهو شريان الحياة المالي البالغ طوله 30 ميلا والذي كان يخضع لحصار إسرائيلي معقد منذ 11 عاما، كما قام الإسرائيليون بتقليص منطقة صيد الأسماك في غزة إلى ستة أميال بحرية، بعد أن قاموا بتوسيعها مؤقتا إلى تسعة.
وقال الجيش الإسرائيلي الإثنين إنهم فرضوا الإجراءات بسبب "الحرائق المستمرة والهجمات الإرهابية الإضافية" على إسرائيل من قبل حماس، المجموعة المسلحة التي تدير غزة منذ عام 2007. وسارت اشتباكات بين مئات الآلاف من الفلسطينيين على الحدود مع إسرائيل منذ مارس/ آذار، مطالبين بحق العودة إلى أراضي أجدادهم التي أجبروا على الفرار منها أو هربوا منها خلال الصراع الذي بلغ ذروته في إنشاء إسرائيل عام 1948.
وحاول بعض المتظاهرين قطع الجدار وقام آخرون بإطلاق طائرات حربية محلية الصنع وبالونات لإسرائيل خلال المظاهرات، مما أدى إلى اندلاع 750 حريقا بريا على الأقل على الأراضي الإسرائيلية التي تقول خدمة الإطفاء الإسرائيلية أنها أحرقت نحو 2600 هكتار من الأراضي.
وردت إسرائيل بنيران حية فقتلت العشرات من الأشخاص وأصابت أكثر من 13 ألفًا حسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر. ولم يقتل أي إسرائيلي، وأدانت الأمم المتحدة استخدام إسرائيل للقوة على أنه "مفرط وغير متناسب وعشوائي" في قرار تم تبنيه في يونيو/ حزيران، ودافعت إسرائيل عن ردها قائلة إن المسيرات كانت عنيفة.
وقال الجيش الإسرائيلي الإثنين إن الطائرات الورقية المشتعلة واكتشاف نفق للقتال في الآونة الأخيرة من قاعدة عسكرية في غزة إلى البحر هي القشة الأخيرة.
وجاء في بيان جيش الاحتلال "الوضع الحالي لا يسمح لسكان جنوب إسرائيل بالحفاظ على روتين حياتهم اليومي بأمان.. إذا استمرت هذه الظروف الصعبة، فإن إجراءات جيش الاحتلال الإسرائيلي ستستمر وتكثف". وتعهد بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، باستخدام "اليد الثقيلة" ضد حماس ووعد "بخطوات أخرى" في المستقبل. وأصر أفيغدور ليبرمان وزير الدفاع الإسرائيلي على أن إسرائيل لا تسعى إلى تفجر جديد في غزة لكنه حذر من أن ذلك ممكن.
وحثت حماس من جانبها، المجتمع الدولي على التدخل، ووصفت القيود الجديدة بأنها "جريمة ضد الإنسانية". وذهب الجهاد الإسلامي، الذي يسيطر على أحد أقوى الفصائل المسلحة في غزة، إلى أبعد من ذلك، قائلاً إنه "إعلان الحرب".
الحصار مستمر خلال التصعيد الأمني ضد عزة والموارد الأساسية للحياة تتضاءل
وقبل يوم واحد من الإعلان عن القيود الجديدة، قال قائد لواء القدس التابع لحركة الجهاد الإسلامي لصحيفة "الإندبندنت" إن استخدام الإسرائيليين "للقوة القصوى" هو خرق اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسط في القاهرة بعد حرب 2014. والمقاومة ملتزمة بالهدنة ما دام الإسرائيليون يفعلونها. نحن لا نسعى إلى الحرب ولكن إذا فرض علينا سنحاربها، وهذه الإجراءات بما في ذلك تشديد الحصار، تؤدي إلى تصعيد المشهد الأمني في غزة.
وقال القائد الذي رفض الكشف عن هويته لأسباب أمنية، إن مقاتلي الجهاد الإسلامي يستعدون "ليلًا ونهارًا" للحرب. وفي غضون ذلك، قال المدنيون في غزة إن الحرب الجديدة ستكون مدمرة لأن الظروف في الجيب سيئة، فأكثر من 40% من العمال عاطلون عن العمل، وهو أعلى معدل للبطالة في العالم.. لقد تدهورت إمكانية الوصول إلى المرافق الأساسية مثل المياه النظيفة والطاقة والنظام الصحي في غزة هو أيضا في حالة انهيار، ويقول مسؤولو المستشفى إن إمدادات الأدوية والمعدات الرئيسية، بما في ذلك أنواع المخدر تختفي تدريجيا.
"الأونروا" تخفّض مساهماتها إلى النصف داخل غزة
يعتمد نصف السكان على المساعدات الدولية وسط النقص، لكن هذا أيضا يتضاءل حيث كشفت الأونروا، وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، أنها تعاني من عجز مالي بلغ 217 مليون دولار (164 مليون جنيه إسترليني)، وهو أكبر عجز في تاريخها، وأعلنت إدارة ترامب أنها ستخفض مساهماتها إلى النصف.
وحذر مسؤولو الأونروا من التخفيضات الوشيكة لبرامج التوظيف، ومساعدات الإسكان، ودعم الصحة العقلية في كل من غزة والضفة الغربية.
وقال كريس غانيس المتحدث باسم الأونروا، إن أزمة التمويل "غير المسبوقة" سيكون لها تأثير كبير على غزة، حيث تغذي الأونروا مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي أو ما يقرب من نصف سكان غزة، وقال "تخيل لو كان لديك مليون شخص جائع وغاضب على عتبة إسرائيل؟".
ويهدف اتفاق المصالحة الذي وقع في القاهرة إلى رؤية حماس تتنازل عن السيطرة الإدارية للقطاع للسلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة فتح، لكن الاتفاقية انهارت في مارس/ آذار مع محاولة اغتيال رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، رامي حمدالله خلال زيارة نادرة إلى غزة. وألقت فتح باللوم على حماس التي نفت بشدة هذا الاتهام. وفي محاولة للضغط على حماس للتخلي عن السلطة، في أبريل/ نيسان الماضي، أمرت السلطة الفلسطينية بالتقاعد المبكر لما يقرب من ثلث موظفيها البالغ عددهم 60 ألف موظف في غزة، فضلا عن القيود المفروضة على وصول الكهرباء إلى غزة. وفي مايو/ أيَّار من هذا العام، خفضت السلطة الفلسطينية الرواتب في غزة بنسبة 20٪ على الأقل، كما عجزت حماس التي تعاني ضائقة مالية عن دفع 40 ألفا.
ومن المقرر أن يصل وفد رفيع المستوى من حماس إلى مصر هذا الأسبوع لإجراء محادثات غير مباشرة مع فتح، لكن مسؤولين من الجانبين أعربوا عن أمل ضئيل في إحراز أي تقدم ذي مغزى. وفي غضون ذلك، قال سكان غزة إنه دون مرتبات ومساعدة كافية، لن يستطيعوا البقاء