الاحتجاجات في غزة على "مجزرة استقطاع الرواتب"

تواصلت الاحتجاجات في قطاع غزة، لليوم الثاني على التوالي، على ما سميت بـ"مجزرة استقطاع الرواتب" التي ارتكبتها حكومة الوفاق الوطني برئاسة رامي الحمد الله، ضد الموظفين في قطاع غزة، وتسببت في حالة ذعر كبيرة بين أوساط الموظفين، وأصابت الشارع بصدمه قوية . وأمام هذه "المجزرة"، انطلقت دعوات تطالب بإقالة حكومة الحمد الله، ووالخروج بمسيرات جماهيرية تنديدًا بهذا القرار، الذي يضرب كل مواطني القطاع في مقتل.

ودعا وليد العوض، عضو المكتب السياسي لحزب "الشعب الفلسطيني"، حكومة الحمد الله إلى الرحيل، وكتب، في تدوينه له: "آن آوان رحيلها، نريد حكومة وطنية تربط غزة بالمشروع الوطني، لا حكومة تسعى إلى التناغم مع تحويل الانقسام إلى اانفصال تام ." وحمّلت حركة "فتح" في قطاع غزة حكومة الحمد الله المسؤولية المباشرة عن سياسة "التمييز والتهميش"، التي تتبعها في حق موظفي القطاع، وأهابت بالرئيس محمود عباس التدخل الفوري لوقف هذا القرار الجائر في حق أبناء قطاع غزة ، مطالبة بإقالة هذه الحكومة، التي تُصَدِر الأزمات لأبناء الشعب الفلسطيني، وفق تعبيرها.

وتساءل ماهر الطباع، الخبير والمحلل اقتصادي: "هل قرار الخصم ينطبق على الوزراء من قطاع غزة، بصفتهم موظفي سلطة فلسطينية؟ و هل من الممكن أن نسمع خبر استقالة وزراء قطاع غزة من الحكومة؟". ووصف طلعت الصفدي، القيادي في اليسار الفلسطني، حكومة الحمد الله بـ"المنافقة"، وطالبها بالرحيل فورًا، قائلاً، وفق ما رصده تقرير وكالة "قدس نت" للأنباء: "حكومة النفاق الوطني المستعربة إلى الجحيم، لترحل فورًا فهي ليست أمينة على شعبها مهما كانت ذرائعها ومبرراتها، فتعزيز صمود الناس على بلاء الاحتلال والانقسام وحل مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية هو الضمان الحقيقي للدفاع عن الحقوق الوطنية، الاستنكار والإدانة أمور غير كافية، فالحقوق لا تُمنح بل تسترد بحراك كل الموظفين، ولا عذر لمن ينتظر منهم في بيته دون المشاركة في الحراك، وبمساعدة وتضامن كل القوى الوطنية، تسقط حكومة البرجوازية، وتسقط حكومة الانقسام والانفصال، ويا وزراء غزة في حكومة النفاق الوطني ماذا تنتظرون؟".

أما الكاتب و المحلل السياسي وجيه أبو ظريفة، فرأى أن حكومة الحمد الله يجب أن تعيد النظر في وجودها، بعد "مجرزة الرواتب". وذكر أن مواقف الجميع،  على مدار الساعات الماضية، اتفقت على معارضة قرار الحكومة القاضي بمعاقبة قطاع غزة بأكمله، عبر خصم ٣٠٪‏ من رواتب موظفيه، وهذا يطرح السؤال المنطقي: "هل بقيت الحكومة حكومة توافق وطني، ومن فوّضها لتمثل الكل الوطني إذا كانت مكونات الوطن باكملة تعارضها؟".

وأضاف: "أعتقد أن الحكومة الحالية فقدت سياقها التوافقي، وربما أخرجت نفسها حتى عن مواقف الأطراف التي كانت تدعمها، وخاصة حركة فتح، وهذا يحتاج إلى إعادة النظر في مبرر وجودها، وأهمية تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية تستطيع أن لم تعالج مشاكل الوطن، أو على الأقل لا تفاقمها."

ورأت الفصائل الفلسطينية أن القرار الذي اتخذته حكومة الحمد الله، بخصم جزء من رواتب الموظفين في قطاع غزة، خطوة من شأنها أن تسبب المزيد من المعاناة للمواطنين، في ظل الحصار الإسرائيلي الذي يضرب القطاع منذ أكثر من 10 سنوات. ودعت الفصائل حكومة الحمد الله إلى التراجع عن هذا القرار غير القانوني، والذي يتنافى مع قانون الخدمة المدنية، كونه يأتي دون سابق إنذار ويطبق على منطقة جغرافية دون أخرى. وأوضحت أن هذا اﻻجراء سيتقاطع، دون شك، مع مساعي سلخ غزة ووضعها على مسار طريق مختلف عن طريق المشروع الوطني.

ومن جهته، قال الناطق باسم حكومة التوافق الفلسطينية، يوسف المحمود، إن الحكومة باتت غير قادرة على دفع رواتب موظفيها، البالغ عددهم 160 ألفًا، إضافة إلى المصاريف المستمرة، بسبب تراجع الدعم الدولي. وأضاف، في تصريح صحافي، أن الحكومة وجدت نفسها مضطرة إلى اللجوء إلى وقف دفع جزء من علاوات الموظفين في القطاع بصورة موقتة، لحين حل المشكلة المالية.

وحمّلت الحكومة حركة "حماس" جزءًا من المسؤولية عن تراجع إيراداتها. وقال المحمود: "الحكومة تدفع شهريًا 130 مليون دولار لقطاع غزة، على شكل رواتب ومصاريف جارية للتعليم والصحة وغيرها، وحماس تجبي الضرائب وتنفقها على موظفين عينتهم خارج السلطة". وأضاف: "لو وصلت هذه الإيرادات إلى خزينة الحكومة لتمكنت من دفع رواتب موظفيها بصورة كاملة، لكنها لم تعد قادرة على ذلك بسبب تراجع الدعم الدولي"، لكن "حماس" أكدت أن السلطة تحصّل جمارك البضائع القادمة إلى قطاع غزة، عبر الاستيراد من إسرائيل أو من خلالها، والتي تبلغ نحو 400 مليون دولار سنويًا.

ولجأت السلطة الفلسطينية إلى تقليص كبير، بنسبة الثلث، في رواتب موظفيها المتوقفين عن العمل في قطاع غزة، منذ سيطرة "حماس" على القطاع، وذلك إثر تراجع المساعدات الدولية للسلطة في السنوات الأخيرة، بنسبة كبيرة وصلت إلى 70 %. وتوقف جميع موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، البالغ عددهم 50 ألفًا، عن العمل منذ سيطرة "حماس" على قطاع غزة، بناء على طلب مباشر من رئاسة السلطة في رام الله، علمًا بأن النسبة الأكبر من المتوقفين عن العمل، والبالغ عددهم 33 ألفًا، كانت تعمل في أجهزة الأمن. وسارعت "حماس" آنذاك إلى استبدال موظفي السلطة بموظفين محليين، غالبيتهم أعضاء في الحركة، ووفرت رواتبهم من إيرادات حكومتها.

وتراجع الدعم الخارجي للسلطة الفلسطينية بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة، نتيجة توقف العملية السلمية، أو تغير أولويات بعض الحكومات الداعمة. ويبلغ العجز في موازنة السلطة الفلسطينية نحو الثلث، تغطيه من المساعدات الخارجية. وتسهم دول الاتحاد الأوروبي في دعم موازنة السلطة بـ160 مليون يورو، كما كانت الولايات المتحدة تدفع 400 مليون دولار لدعم الموازنة، لكنها قلصتها وحولتها إلى الطاقة وإلى أجهزة الأمن، ومصاريف أخرى للبنية التحتية.

وطالب الاتحاد الأوروبي السلطة بإيجاد حل لمشكلة الموظفين المتوقفين عن العمل في غزة، منذ 10 سنوات، مشيرًا إلى أنه لا يستطيع مواصلة تقديم الدعم المالي لدفع رواتب موظفين لا يعملون. ومن بين النصائح التي قُدمت إلى السلطة الفلسطينية إتمام المصالحة مع "حماس"، وإعادة الموظفين إلى أماكن عملهم، أو إحالتهم إلى التقاعد المبكر.
وكشف الناطق باسم حكومة التوافق الفلسطينية عن أن السلطة وضعت خيارات عدة للتعامل مع الأزمة المالية، في حال استمرار تراجع المساعدات الدولية، ومنها تقليص رواتب الموظفين.