الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

يترقّب العالم مشاركة بريطانيا في الضربة الجوية المحتملة على سورية والتي يتبناها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولكن نظرا لاختلاف الدساتير حول العالم ربما تحتاج بريطانيا إلى موافقة البرلمان قبل المشاركة، إذ يختلف السياسيون البريطانيون بشأن ذلك، فهناك من يطالب بالانتظار حتى يعود البرلمان إلى العمل بعد إجازة عيد الفصح، ومنهم مَن يفضّل المشاركة دون إذن البرلمان، وفي كلتا الحالتين سنعرف موقف الحكومة من البرلمان والعكس في ما يلي:

اجتماع عاجل لمجلس الوزراء وسط معارضة حزب العمل
اجتمع مجلس الوزراء البريطاني في تمام الساعة الثالثة والنصف عصرا لمناقشة المشاركة في الضربة العسكرية الأميركية المحتملة على سورية؛ ردا على استخدام الحكومة السورية الأسلحة الكيماوية في هجومها على دوما، السبت، ولكن في الوقت نفسه لا يزال البرلمان في عطلة عيد الفصح، وذلك حتى الإثنين، وبالتالي يبدو أن أي قرار سيُتخذ في الوقت الراهن سيكون دون استشارة البرلمان.

ويطالب العديد من النواب، بما في ذلك بعض المحافظين وزعيم حزب العمل جيريمي كوربين، بالتصويت في البرلمان، حيث لا يجب أن تمثل العطلة مشكلة، لأنه يمكن ببساطة استدعاء مجلس العموم لإجراء تصويت طارئ، ولكن رئيسة الوزراء تيريزا ماي، ربما تبدو مترددة في القيام بذلك، والسؤال الكبير هو: هل يملك مجلس الوزراء سلطة القيام بعمل عسكري دون استشارة البرلمان؟ ولماذا لا تعتقد رئيسة الوزراء بأنها بحاجة إلى موافقة برلمانية، ولكن الإجابة القصيرة هي نعم، أما الطويلة معقدة إلى حد ما، لدرجة أن مكتبة مجلس العموم وضعت تقريرا مكونا من 62 صفحة حول المسألة في عام 2015، ولم تجب بشكل قاطع عن السؤال.

ويمكن للحكومة أن تفعل ما تشاء من الناحية النظرية على الأقل، أما من الناحية الدستورية، ليست هناك حاجة على الإطلاق لرئيسة الوزراء في أن تسعى للحصول على إذن من البرلمان للقيام بعمل عسكري، إذ يخدم مجلس الوزراء بمتعة صاحبة الجلالة ويمارس السلطة التنفيذية نيابة عنها، ويشمل ذلك إطلاق عمل عسكري وإعلان الحرب، يُعرف هذا بـ"الامتياز الملكي"، لأنه يشكل جميع الصلاحيات التي كان سيحظى بها الملك قبل انتقال بريطانيا إلى نظام العمل من خلال مجلس الوزراء.

الدستور البريطاني
وتقول مكتبة العموم "من الناحية الدستورية ليس للبرلمان دور قانوني في نشر القوات المسلحة، كما أن الحكومة ليست ملزمة قانونيا في ما يتعلق بسلوكها، بما في ذلك إمداد البرلملن بالمعلومات"، لذا من الناحية النظرية على الأقل، يمكن للحكومة أن تفعل ما تشاء، لكن بطبيعة الحال، هذه ليست الطريقة التي تعمل بها الأشياء على أرض الواقع، ففي حين أن بريطانيا ليس لديها دستور مكتوب على النمط الأميركي، لا يزال هناك توازن دقيق بين السلطات التنفيذية (مجلس الوزراء) والهيئة التشريعية (البرلمان).

وإذا كان مجلس الوزراء يتصرف بتفهم ، فإن البرلمان سيكون على يقين من أن يكون لديه ما يقوله عن ذلك، والبرلمان في نهاية المطاف لديه السيادة، وبسبب هذا التوازن الدقيق، قامت الحكومات المتعاقبة على مر السنين بطرق مختلفة لإبقاء البرلمان "سعيدا" بأعماله العسكرية، وربما تكون هذه الطرق المختلفة قد خلقت اتفاقية، والبرلمان المكان الذي تبرم فيه.

وفي الواقع، قد يحتاج رئيس الوزراء إلى موافقة برلمانية، فحتى عام 2003 وشن الحرب على العراق، وهي الفترة التي أزُعجت بها الحكومة للتشاور مع البرلمان وتصدت له، فما لم يحدث في الواقع كان تصويت النواب من أجل تفويض العمل العسكري قبل إطلاقه، مثلما حدث الحرب العالمية الثانية، والحرب الكورية، والسويس، وجزر فوكلاند، وحرب الخليج، وكوسوفو، وسيراليون، وأفغانستان، ففي كل هذه الصراعات لم يطلب من البرلمان الموافقة على استخدام القوة مسبقا، فقط في حالة الحرب الكورية كان هناك تصويت جوهري، ولكن فقط بعد أن تم بالفعل الالتزام بالقوات وبإظهار الدعم للحكومة

حرب العراق والتدخل في ليبيا والبرلمان البريطاني

وتغير كل ذلك بعد عام 2003 مع حرب العراق، عندما اختار توني بلير رئيس الوزراء آنذاك، إرجاع القرار إلى البرلمان قبل بدء الغزو، ومع ذلك، فإن تلك الحكومة أقرت بأنه لم يتم إنشاء اتفاقية وأن السلطة الملكية لها القرار الأسمى، وعلى أي حال، قال بلير أمام لجنة مجلس العموم في عام 2006 " لا أستطيع فهم موقف تقع فيه حكومة وهو خوض الحرب في ظروف عسكرية من أجل أمن البلاد، فهي تحتاج إلى التحرك الفوري دون مناقشة برلمانية كاملة".

وفي وقت لاحق من ذلك العام، أرسل بلير عدة آلاف من القوات البريطانية في مقاطعة هلمند، بأفغانستان، دون تصويت برلماني.

وتغيرت الأوضاع تحت الائتلاف، حيث تم تعديل دليل مجلس الوزراء، الذي تم إعداده في البداية في وجود "غوردون براون" كمحاولة لكتابة بعض من المواثيق الدستورية للمملكة المتحدة على الأقل، وفي عام 2011 تم إضافة "اعترفت الحكومة بأن اتفاقية قد تطورت في البرلمان قبل أن يتم إرسال القوات، ويجب أن يتاح لمجلس العموم فرصة لمناقشة المسألة، إلا في حالة الطوارئ، ومثل هذا التصرف سيكون غير مناسبا".

وتم اختبار هذا لأول مرة أثناء التدخل في ليبيا، عندما طُلب من البرلمان التصويت على التدخل بعد بدئه، ولم تكن شرعية هذا التحرك خطوة موضع شك بشكل خاص لأن التدخل كان ردا على قرار مجلس الأمن الدولي، وكانت الحاجة ملحة، وصوت 13 نائبا فقط ضد الحكومة، وفي هذه الأثناء، قدمت بريطانيا الدعم اللوجيستي والتدريب للتدخل الفرنسي في مالي في أوائل عام 2013، ولكن بما أنه لم يكن هناك أي قوات مقاتلة متورطة، فلم يتم اعتبار أي تصويت ضروريا.

تصاعد الأزمة السورية ورغبة بريطانيا في التدخل
كانت نقطة التحول الحقيقية في أغسطي/ آب 2013، عندما تعرضت الحكومة البريطانية لهزيمة مفاجئة بسبب هجم النظام السوري بالأسلحة الكيميائية على المدنين، حيث خطط بريطانيا لردع النظام، فإذا أراد البرلمان ربط الحكومة فعليه وضع الاتفاقية على كتب القوانين، وبالنسبة للعديد من النواب والخبراء الدستوريين، كان هذا تصريحا واضحا للغاية من البرلمان لسيادته ووجود اتفاقية، كما أن التدخلات اللاحقة ضد داعش، أولا في العراق ثم في سورية، اتبعت هذه الاتفاقية، وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد دور لمجلس اللوردات في كل هذا، إذن بناء على ذلك فهل على رئيسة الوزراء أن تستشير البرلمان أولا؟ حسنا، ليس تماما، وذلك لسببين، أولا، من شبه المستحيل تحديد "شرط الطوارئ"، وهو ما يبرر عدم التصرف بسرعة، ثانيا، ما زالت مجرد اتفاقية، وفي الواقع، يمكن للحكومة ببساطة حتى تجاهل تصويت البرلمان ضد العمل العسكري.

تيريزا ماي في مواجهة الدستور والبرلمان
وإذا أراد البرلمان ربط يدي الحكومة فعليه وضع الاتفاقية على كتب القوانين، وقد تم اقتراح ذلك من قبل، بما في ذلك من قبل وليام هيغ، ولكن تمت مقاومته حتى الآن من قبل القوات المسلحة وبعضها في البرلمان، إذن ما هو الجواب؟ حسنا، إنه الحل الدستوري البريطاني المعتاد المتمثل في توازن دقيق بين القوى والتهديدات غير المعلنة، من المحتمل أن تفلت السيدة ماي من عدم التشاور مع البرلمان، ولكن فقط بشكل بسيط، خلاف ذلك، ستجد نفسها غارقة في المياه الدستورية العميقة.

وإذا تأجلت الأمور حتى الإثنين، وعاد البرلمان مرة أخرى، فهل ستختار السيدة أن تستشير البرلمان؟ من الصعب تأكيد ذلك، ولكن ربما لن تستشيره، وربما يكون من دواعي سرورها أن البرلمان ليس موجودا لإجبارها على استشارته.

تشابك أحداث الجاسوس الروسي وسورية وروسيا مع حلفاء بريطانيا
لا ترغب رئيسة الوزراء وحكومتها في التخلي عن الحلفاء الذين وقفوا بجانب بريطانيا مؤخرا في تسمم الجاسوس الروسي، ولكن مع هذه الأغلبية النحيلة، ومع الناشط المناهض للحرب جيريمي كوربين قد تخشى السيدة ماي من الهزيمة، فبالطبع، رفض نواب حزب العمل بأعداد كبيرة للتصويت على حملة قصف في سورية في عام 2015، ولكن ذلك كان ضد داعش، وليس الرئيس السوري بشار الأسد، كما أن حكومة حزب المحافظين كانت في وضع أقوى بكثير من هذا.

توقعات بانتصار البرلمان
وعلى الرغم من المتاهة الدستورية، سينتهي الأمر برئيسة الوزراء أمام البرلمان لشرح قرارها على أي حال، فمن الطبيعي أن يتعامل رئيس الوزراء مع مجلس العموم بعد مثل هذه القرارات والأحداث الكبرى، وفي السابق، كان هذا غالبا ما يتخذ شكل "اقتراح"، حيث لا يوجد تصويت نهائي لصالح أو ضد أي شيء، ومع ذلك، إذا اختارت السيدة ماي أن تشارك في حملة مطولة، فمن غير المتصور أن تكون قادرة على القيام بذلك دون الحصول على موافقة البرلمان أولا.

الدستوران الأميركي والفرنسي وقرار الحرب
وفي الولايات المتحدة، الكونغرس هو الذي يملك سلطة إعلان الحرب، ومع ذلك، فإن الرئيس هو القائد الأعلى، وبالتالي لديه الكثير من الحرية لشن الحرب دون استشارة الكونغرس، لهذا السبب، لم تعلن الولايات المتحدة الحرب على أي دولة منذ أربعينيات القرن العشرين، وبعد حرب فيتنام، كان هناك جدل كبير في واشنطن حول السيطرة على سلطة الرئيس لشن الحرب دون موافقة الكونغرس، وكانت النتيجة هي قرار سلطات الحرب، الذي يتطلب من الرئيس الإبلاغ عن أي إجراء عسكري للكونغرس في غضون 48 ساعة ويضع حدا لمدة 60 يوما لعمليات النشر التي لم يصرح بها الكونغرس بعد ذلك، ولكن لم يتم اختبار دستورية القرار.

ويوجد في فرنسا موقف مشابه، فبينما يحتفظ البرلمان الفرنسي بسلطة إعلان الحرب، فإن الرئيس هو القائد الأعلى، والرئاسة الفرنسية هي أيضا واحدة من أقل الدول التي تواجه قيودا في الغرب، ومن غير المرجح أن يواجه أي قرار من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باتخاذ إجراء عسكري.