بابتكار أساليب مقاومة جديدة


مع دخول "مسيرات العودة" المتواصلة للجمعة الرابعة على التوالي، شهرها الثاني، باتت هذه المسيرات الشعبية تتخذ طابعًا منظمًا يشمل توزيع المهام بين المتظاهرين واستحداث وحدات وأساليب مقاومة جديدة.

"الكاوتشوك"
وكانت البداية في الأسبوع الثاني من المسيرات، باستحداث وحدة سميت وحدات "الكاوتشوك"، ضمت عشرات الشبان والفتية، ومهمتهم العمل طوال أيام الأسبوع، لجلب أكبر كمية ممكنة من الإطارات، ونقلها إلى مخيمات العودة الخمسة عبر دراجات توك توك، وعربات كارو، ونجحت هذه الوحدة التي تضم أنشط المتظاهرين، في جلب آلاف الإطارات، وإشعالها في كل يوم جمعة، حتى أنها حجبت مواقع الاحتلال عن الأعين لساعات.

ويقول الشاب إياد الحاج، أحد المشاركين في نقل الإطارات: إنهم لم يتركوا ركنًا ولا زاوية إلا وتوجهوا إليها، ونجحوا في إبقاء "الكاوتشوك" مشتعلًا طيلة تظاهرات يوم الجمعة.

قص الأسلاك
بعد أن أعاقت الأسلاك الشائكة والموانع المعدنية التي نصبتها قوات الاحتلال المتظاهرين من الوصول إلى السياج الحدودي، برزت مجموعات من الشبان المتميزين بالجرأة مهمتها قص الأسلاك بمقصات معدنية حادة، وسحبها بكوابل طويلة، حيث تبدأ عملية قص الأسلاك بإشعال إطارات الكاوتشوك لحجب الرؤية عن قناصة الاحتلال ليتسلل بعدها الشبان إلى الأسلاك الشائكة لقطعها ثم ربطها بكوابل معدنية، لإتاحة المجال أمام المتظاهرين لسحبها، وتمكن متظاهرون عبر هذه الوحدة، من سحب واقتلاع مئات الأمتار من السياج على طول الحدود الشرقية للقطاع.

وحدة الطائرات
وبعد النجاح الكبير الذي حققته الطائرات الورقية المحملة بالقنابل الحارقة، تم استحداث وحدة من المتظاهرين مهمتها صنع وتجهيز هذه الطائرات، ومن ثم إطلاقها ناحية أحراش ومزارع الاحتلال المحاذية للقطاع، ويجتهد فتية وشبان يمتلكون مهارة لصنع هذه الطائرات، بتجهيز العشرات منها، ليتولى أشخاص ذوو خبرة إطلاقها وهي مشتعلة، لتؤدي المهمة التي صنعت من أجلها.

ويقول الشاب محمود عرفات: إن الطائرات الورقية المصنعة من الورق وعيدان النخيل، تحولت إلى أداة فعالة في أيدي المتظاهرين، موضحًا أنهم بواسطتها أشعلوا عشرات الحرائق، وكبدوا الاحتلال خسائر مادية فادحة، كما استطاعوا تطويعها، بوضع كاميرات على متنها، لتصور مواقع المواجهات، والمناطق المحاذية لحدود القطاع.
ونوه عرفات بأن وحدة الطائرات بدأت تستخدمها لإرسال منشورات باللغة العبرية، وإسقاطها داخل "كيبوتسات" والتجمعات العسكرية الإسرائيلية، تحمل رسائل للجنود والمستوطنين، تطالبهم بالرحيل عن أراضينا المحتلة، وتحذر القناصة من الاستجابة لأوامر قادتهم.

إطفاء قنابل الغاز
ومع إطلاق قوات الاحتلال قنابل الغاز المسيل للدموع بكثافة، استطاع المتظاهرون ابتكار طرق بدائية لإطفاء القنابل فور سقوطها، وقبل انتشار دخانها، وتم الإعلان من داخل مخيم خزاعة شرق مدينة خان يونس، عن استحداث وحدة جديدة، مهمتها فقط إطفاء قنابل الغاز.
ووفق الإعلان الذي حدث من داخل المخيم، فإن الوحدة تضم عشرات الشبان المزودين بـ"جراكل"، يتوزعون في مناطق التظاهرات، ويسارعون بوضع الجركل فوق القنبلة، لكتمها ومنع دخول الهواء إليها، وبالتالي انطفائها.

المنجنيق
وصنع متظاهرون قاذف حجارة محليًا أطلق عليه "المنجنيق"، تيمنًا بالأداة الحربية الأكثر شهرة، التي كانت تستخدم في العصور القديمة، والقاذف عبارة عن قضيبين معدنيين على شكل حرف "V"، باللغة الإنجليزية، بحيث يوضع الحجر الكبير وسط قطعتي مطاط، ومن ثم شدهما بأقصى قوة عبر متظاهر أو أكثر، لإطلاق الحجارة ناحية الاحتلال، ليطير مسافات بعيدة، ويسقط داخل مواقع الاحتلال.

ويعكف المتظاهرون على تطوير هذه الأداة، لتصبح قادرة على إطلاق قنابل حارقة، تسهم في إشعال مزيد من الحرائق داخل مواقع الاحتلال والأحراش، وشدد نشطاء على أن ثمة تفكيرًا دائمًا بتطوير أساليب المقاومة الشعبية، وتحييد نيران الاحتلال، وجعلها أقل فتكًا بالمتظاهرين، متوعدين باستمرار التظاهرات وتصعيدها.

سواتر ترابية
أقام متطوعون بجرافاتهم سواتر ترابية قرب مخيمات العودة لحماية المشاركين في مخيمات العودة من رصاص الاحتلال، وتعرضت جرافة يقودها ناشط الجمعة، لإطلاق نار من قوات الاحتلال خلال قيامها بتسوية الأرض تمهيدًا لتوسعة المخيم، ما دفعها للانسحاب، وبعد نحو ساعة عادت الجرافة لإكمال عملها، غير أنها تعرضت لإطلاق نار للمرة الثانية، لكن النشطاء عادوا واستأنفوا العمل مجددًا بعد وقت قصير.

وكان نشطاء ومتظاهرون بدؤوا إجراءات تقديم خيام العودة المنتشرة في خمسة مخيمات رئيسية شرق قطاع غزة، 50 مترًا في اتجاه الشرق، تنفيذًا لقرار اتخذته اللجنة التنسيقية للمخيمات.

وواصلت جرافات تسوية الأرض، وتجهيزها تمهيدًا لنقل المخيمات لمواقعها الجديدة، بحيث تصبح أكثر قربًا من خط التحديد.

غرس الأعلام
وبرع متظاهرو غزة في استخدام العلم الفلسطيني كوسيلة مقاومة أربكت وأزعجت الاحتلال، إذ عمد متظاهرون لوضع الأعلام وغرسها على السياج الفاصل وفي قلب الأراضي المهددة بالمصادرة.
وفي كل مرة تطلق قوات الاحتلال النار وأحيانًا القذائف بهدف إنزال الأعلام، وكثيرًا ما ترسل ريبوتًا آليًا لإنزالها.
ولعل الفتاة المصابة مريم فريد أبو مطر، التي أطلق عليها اسم "فتاة العلم"، نموذج لهذا الشكل من المقاومة، حيث أصيبت برصاص قناص خلال محاولتها تثبيت علم أمام جنود الاحتلال.

رسائل بالعبرية
وتفنن متظاهرو غزة في إرسال رسائل باللغة العبرية لجنود الاحتلال، تدعوهم فيها لعدم الانصياع لقادتهم، وتطالبهم بالرحيل عن الأراضي المحتلة، وتحملهم مسؤولية استهداف المتظاهرين.

وتم إيصال الرسائل عبر طريقتين، الأولى مكبرات صوت ضخمة وجهت ناحية الحدود، حيث ينتشر الجنود والضباط، والثانية تحميل الطائرات الورقية عشرات النسخ من منشورات ورقية، مكتوبة بالعبرية، قبل إطلاقها وقطع حبالها، لتنتشر المنشورات فوق جنود الاحتلال.