يوجد تمثال لملك وزوجته الملكة والذي يعود لمدينة تونيس – هرقليون وتم إنتشاله من أعماق البحر الأبيض المتوسط

على مدار 1,300 عام كانت هناك إسطورة عن فقدان مدينة مصرية، وقال المؤرخ اليوناني الحديث هيرودوت بأن مدينة هرقليون Heracleion تستمد إسمها من ذلك الرجل القوي الاسطوري هرقليون الذي كان أول من تطأ قدميه الأراضي المصرية. في حين يفترض بأن تكون هيلين طروادة – أجمل إمرأة في الأساطير القديمة – قد زارت المكان مع عشيقها باريس قبل 3 الاف عام.
 
ولكن المدينة نفسها لم تكن  عرضت إلى العالم حتي عام 2000، حينما سبح عالم الآثار الفرنسي إلي أعماق البحر الأبيض المتوسط على بعد إثنين من الأميال قبالة السواحل المصرية بالقرب من مدينة الإسكندرية. وهناك وجد " أتلانتس المصرية " وهي المدينة التي كانت علي مدار 500 عام في الفترة من القرن السابع قبل الميلاد أهم الموانئ التجارية على البحر الأبيض المتوسط في مصـر.
 
وعثر الرجل الفرنسي على كنز هائل يضم المعابد، وتماثيل لآلهة مصرية، إضافةً إلى نقوش هيروغليفية على ألواحٍ قديمة لم يكن يشاهدها سوى الأسماك لعدة قرون. ففي نهاية القرن الثاني قبل الميلاد، تعرضت هذه المدينة المزدهرة إلى كوارث عنيفة من زلازل وفيضانات وهبوط جيولوجي، وإكتشف علماء الآثار بأن الأرض أسفل المعابد الكبرى  تحوّلت بالفعل إلى سائل بفضل العملية الجيولوجية التي تسمى الإسالة، وأن أغلب البنايات الرائعة للمدينة وكذلك المعابد  ذهبت أدراج الرياح إلى قاع البحر.
 
وفي هذه الأيام، فإن المياه العكرة من خليج أبي قيرعند مصب نهر النيل يوجد فيها رواسب سميكة، وكان يصعب في البداية إكتشاف حجم القطع الضخمة من الأحجار نصف المدفونة في قاع البحر على عمق 30 قدماً. وبعد فحصٍ دقيق،  تبيّن وجود مجموعة هائلة من تماثيل الفراعنة والآلهة، إضافةً إلى أطباقٍ ذهبية متلألئة وقطع نقدية إلى جانب 69 حطاما" لسفن وما يزيد عن 700 مخطاف وجميعها محفوظة بشكل عجيب تحت سطح البحر وفي مأمن من اللصوص والمخرّبين.
 
ومع دخول المتحف البريطاني في لندن، تجد في إستقبالك تمثال حابي من الجرانيت الأحمر بطول 17 قدماً، وهو إله النيل المصري الذي إبتلعت المياه بقية المدينة الغارقة في الظلام قبل 1,300 عام. وبين ذراعيه، فإن التمثال الذي يعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد لديه مائدة قرابين لحمل الهدايا إلى الإله الذي كان يحمل اسمه.
 
ومنذ أن كانت المدينة ميناء  دولياً، فقد تم العثور على مجموعة كبيرة من القطع الأثرية من بينها تمثال مبتسم للملك المصري نيكتانيبو الثاني الذي حكم مصر في منتصف القرن الرابع قبل الميلاد. كما كانت القدم الواحدة لأبو الهول التي تم إنتشالها من قاع البحر بمثابة اللغز الغريب للغاية، حيث تم العثور على الرأس البشري في المعبد، بينما جسده علي هيئة أسـد تم إكتشافه علي بعد 650 قدم. ويعتقد علماء الآثار بأن سفينة عابرة هي التي بترت أبو الهول خلال بحثها عن الأسماك وليس آثار تتعدي قيمتها ملايين الجنيهات.
 
ويعد أفضل هذه التماثيل المعروضة داخل المتحف البريطاني، تلك المنحوتة بشكل جميل لملك وزوجته الملكة وهم يقفان إلي جوار بعضهما، وكلاهما بطول 16 قدماً. ويعتقد بأنها منحوتة في القرن الثالث قبل الميلاد وكانت تحمي مدخل معبد آمون غريب Amun-Gereb وهو الإله الذي منح الفراعنة "الحق" القانوني لحكم مصر.
 
ومن بين الإكتشافات المذهلة والغريبة التي عثر عليها تحت خمسة أقدام من الرواسب توابيت حجرية لطيور الصقر وأبو منجل المبجلة من المصريين مثل المومياوات البشرية. كما يوجد تمثال أثري ضخم في حالة جيدة للغاية عليه نقوش بالهيروغليفية لما قد نسميه جمع الضرائب، بما يعني أن الفرعون نيكتانيبو Nectanebo أصدر مرسوما ملكياً، وقام بفرض الضرائب على الواردات والصادرات التي تمر عبر ميناء تونيس – هرقليون، والتي تقدر بنحو – 10 بالمائة – وتدفع لأحد المعابد تكريماً لوالدته نيث Neith
 
وكان الإسكندر الأكبر  قام بغزو مصر عام 332 قبل الميلاد، ليتحول هذا الميناء المزدهر إلى مدينة يونانية، وتركها مكتظة بالكنوز اليونانية. ثم جاء الرومان إلي مصر بعد اليونانيين عام 30 قبل الميلاد عندما هزم الإمبراطور فيما بعد أوغسطس Augustus مارك أنتوني وأطاح بحبيبته كليوباترا. وقد تم إكتشاف تمثال لكاهن من العصر الروماني لا يزال يقف على الرمال ممسكاً بجرة والتي كانت مقدسة لإله الموت المصري أوزوريس.