حي مولينبيك غرب بروكسل مركزًا لتجمع المتطرفين

أبدى سكّان ضاحية مولينبيك في العاصمة البلجيكية بروكسل، قلقهم المتزايد من انتشار التطرف، معترفين أنهم غير قادرين على منع أبنائهم من الانضمام إلى الجماعات المتطرفة مثل تنظيم "داعش"، ومطالبين السلطات بإجراءات أكثر صرامة لمنع أبنائهم من مغادرة البلاد والسفر إلى سورية للقتال مع الجماعات المتشددة.ويأتي ذلك عقب مداهمة شرطة مكافحة التطرف إحدى الوحدات السكنية في العاصمة وتبادل لإطلاق النار مع أفراد خلية متطرفة، ما أسفر عن مقتل متطرف وإصابة 4 من أفراد الأمن.

ومن دون سابق تحذير، علمت جيرالدين أن ابنها لقي حتفه عبر رسالة نصية بعثها تنظيم داعش، وجاء في مضمونها "تهانينا، كوني فخورة به، فهو الآن في منزلة الشهداء. كوني سعيدة لأنه فارق الحياة خلال قتاله للكفار"، ثم تلقت الأم المكلومة رسالةٍ أخري، ولكن هذه المرة من أحد الشباب مثل أنيس، والذي سافر من بلجيكا للقتال في سورية، وانتهى به الحال مع تلك الجماعة المتطرفة، وجاء في الرسالة أن أنيس قد فارق الحياة نتيجة إصابته برصاصة وسط عينيه ودفن في ميدان المعركة وافتقده جميع أصدقائه.

ولا تزال جيرالدين، التي طلبت عدم الكشف عن اسم عائلتها، ليس لديها دليل على موت ابنها، أو حتى معرفة مكان رفاته بالتحديد، بينما وصلت هذه الرسائل على هاتف قبل 10 أشهرٍ، وكان أنيس قد غادر منزله في حي مولينبيك الفقير الذي يقع غرب بروكسل وقت أن كان يبلغ من العمر 19 عامًا أي قبل عام من مقتله، ولم يكن حي مولينبيك يخضع لرقابة مشددة قبل أشهرٍ من الوقت الحالي.

ويعتقد المحققون أن المنازل المتراصة كانت مركزًا لعمليات الشبكة التي شنت الهجمات المتطرفة في باريس في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وأسفرت عن مقتل 130 شخصاً، وهناك ثلاثة مسلحين على الأقل ضمن 12 آخرين ممن هاجموا العاصمة الفرنسية، و متورطين في دعم الشبكة، من حي مولينبيك، بينما هناك ما لا يقل عن النصف قد يكونوا من المحاربين القدامى للحرب في سورية، وقد داهمت الشرطة، التي تحقق في هجمات باريس، الثلاثاء، إحدى الوحدات السكنية الواقعة في حي فورست جنوب بروكسل، وذكر بيان رسمي أن هذه المدهمة تأتي عقب تنفيذ عدد من المداهمات الأخرى في حي مولينبيك خلال شهر شباط / فبراير الماضي لضبط شبكة التجنيد التي على علاقة بداعش.

وسافر أنيس من مولينبيك بصحبة أحد الأصدقاء المقربين والشقيق الأصغر لعبدالحميد أباعود المشتبه بكونه العقل المدبر لهجمات باريس، ويعتقد مسؤولو مكافحة التطرف أن الثلاثة جميعهم انضموا إلى اللواء البلجيكي والفرنسي ضمن تنظيم داعش، على الرغم من أن والدته يساورها الشك في هذا، حيث تقول إنه كان مسؤولاً عن الخدمات اللوجيستية ولكنها لا تعرف لصالح أيّة جماعة، وأشارت جيرالدين (50 عاماً) والتي اعتنقت الإسلام قبل 25 عاماً لتتزوج بعدها رجلًا من أصل مغربي، إلى  أن الأشخاص يلقبونها بـ"أم المتطرف"، ولكنها ليست كذلك، فهم يتحدثون عن التطرف، ولكنهم لا يفهمون حقاً ما يعنيه ذلك.

وأجاد ابنها اللغة الفلمنكية والفرنسية وكذلك العربية الكلاسيكية والعامية، وكان يتعلم في إحدى المدارس المحلية، ولم يكن الطالب الأفضل ولكنه كان يحظى بشعبية ويحرص على ممارسة الرياضة، وتقول جيرالدين إنها تواظب ووزوجها على أداء الصلاة والصوم، إلا أن أنيس كان أقل الملتزمين ويتهاون في تطبيق شرائع الإسلام، وأنه على ما يبدو على نفس شاكلة المتورطين في تنفيذ هجمات باريس الذين يتناولون المشروبات الكحولية ويدخنون الحشيش حتى وقت قريب.

 وانساق أنيس نحو التطرف قبل بضعة أشهرٍ فقط، حيث غادر المدرسة وبدأ رحلته الصعبة في البحث عن وظيفة كحال جميع الشباب، ولكن تضاعفت الصعوبات بحسب ما تقول جيرالدين، بسبب كونه من أصولٍ مهاجرة، وبدأ يقول إن الجميع يرونه أنه مغربي في الوقت الذي يرونه في المغرب أنه بلجيكي، كما دخل في نقاشات حادة مع زوجها اتسمت أحياناً بالعنف حول معنى القرآن الكريم، حيث ذكر أنه من الواجب ذهابهما إلى سورية، وأنه سيقوم بذلك حال امتنعت هي وزوجها.

وعندما أدرك والداه أنهما لن يتمكنا من إثنائه عن السفر، فقد أبلغا شرطة مكافحة خلية التطرف في حي مولينبيك، معتقدين أن السلطات ستمنع ابنهما من الرحيل، وبعد أسبوع، تحدث أنيس إلى والدته وأخبرها أنه يوجد في تركيا وسيكون في سورية في غضون ساعات، كما علمت بعدها أنه لم يكن من الممكن فرض الحظر عليه من السفر لكونه بالغ، ولقي صديق أنيس الذي غادر معه حتفه بعد وقتٍ قصير من وصولهم إلى سورية، وأضافت جيرالدين أنها كانت تتحدث إليه كل أسبوع على أكثر أو أقل تقدير، وعندما توفي صديقه، فقد كانت نبرة صوته تحمل الشك للمرة الأولى، ولكن ليس لفترة طويلة.

ويؤكد بحث من جامعة أوكسفورد أهمية مواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت دوراً مهمًا في تجنيد ثلاثة أرباع المقاتلين الأجانب في داعش، مقارنةً بأفراد الأسرة التي ساهمت فقط في تجنيد خُمس عدد المقاتلين، بينما شخص من بين عشرين آخرين تم تجنيدهم من قِبل المساجد، وذكر الباحث منتصر الدغمي الذي يقطن في حي مولينبيك، والذي أرشد عن مقاتلين حاليين وسابقين، أن دور المساجد مثير للجدل، وأنه يعرف الكثير من رجال الدين والوعاظ في المساجد الذين سافروا أخيرًا إلى سورية، ما يلقي بعلامات استفهام كبيرة بشأن ما كانوا يقولونه خلال تجمعاتهم.

ولكن الأخصائي الاجتماعي عابد ليلة، الذي يمتلك خبرة تمتد 20 عامًا في حي مولينبيك، ذكر أن المساجد سواءً كانت مسجلة رسمياً أم غير مسجلة لا تمثل مشكلة كبيرة، حيث قالت جيرالدين إن ابنها لم يكن يذهب إلى المساجد ولكنه انخرط مع الناس في الشارع، كما يعتقد منتصر الدغمي أن هناك نوعين من المتشددين، إما مثاليين وهم أول من سافروا إلى سورية، أو متطرفين أكثر عنفاً استعدوا لتنفيذ هجمات في وطنهم، أما البقية، فلديهم تاريخ من التورط في ارتكاب بعض الجرائم الخطيرة، وكانت جيرالدين رحبت في البداية بالحماس الديني لأنيس، معتقدةً أنه سيصبح لديه توجهه الخاص، لاسيما وأنه كان من فئة المثاليين وأراد ممارسة حياته كمسلم جيد بعدما غادر بلاده وليس من أجل خوض المعارك.

وخلال المحادثات الهاتفية، فقد لاحظت جيرالدين شخصيتين مختلفتين لأنيس تعرف إحداها وأخرى لمتعصب متشدد توقف عن الحديث مع والده الذي وصفه مراراً بالجبان والمسيء للإسلام بعد اختيار العيش وسط الكفار، وحينما تطرقت إلى الحديث معه عن العودة إلى وطنه، فقد طلب منها ذات مرة أن تقوم بشراء تذكرة له من تركيا إلى بلدٍ ثالث حتى يتمكن من مغادرة سورية دون العودة إلى بلجيكا، ولكنه تغاضى عن الفكرة بعدها بساعات.

وأعلنت بلجيكا أخيرًا تخصيصها 200 مليون جنيه إسترليني من أجل مواجهة التطرف، كما أشركت المئات من مسؤولي الأمن وتوسعت في استخدام كاميرات المراقبة والفحص المكثف على وسائل النقل العام، في ما تعتقد جيرالدين أن هناك الكثير يمكن القيام به لمنع الشباب من مغادرة بلجيكا للقتال في سورية في المستقبل، حيث ذكرت أن المفكرين المسلمين ينبغي عليهم اتخاذ موقف أقوى بكثير، كما أن الشرطة يتوجب عليها منع الشاب الذي تبلغ عنه والدته بأنه سيرحل متجهاً إلى سورية.

وتصاعدت حدة الضربات الجوية والقتال العنيف في الأشهر الأخيرة لمكافحة الجماعات المتطرفة، وهو ما أسفر عن زيادة المصابين والقتلى البلجيكيين في صفوف داعش، إلا أن جيرالدين لا تهتم بالأخبار التي تتناول مقتل هؤلاء المتطرفين الذين ترجع أصولهم إلى بلجيكا، نظرًا إلى أن ابنها فارق الحياة، وقتل أنيس خلال هجوم بالقرب من المطار الذي يحمل أهمية استراتيجية في مدينة ديرالزور، الواقعة شرق سورية ويسيطر عليها داعش.