وزارة الخزانة الأميركية

كشفت دراسة أميركية حديثة أن درجات الحرارة المرتفعة، تكون مؤثرة على الاقتصاد الأميركي بأكثر مما كان يُعتقد في الماضي، مشيرًة إلى أن هذه الظاهرة المناخية يمكن أن تحد من النمو الإجمالي للناتج الاقتصادي الأميركي بمقدار الثلث بحلول العام 2100.

وكان الاعتقاد السابق في الولايات المتحدة، أن تأثير الاحتباس الحراري ضعيف نسبيا ويقتصر فقط على الأنشطة الاقتصادية الخارجية، مثل الزراعة، خاصة أن هذه القطاعات الخارجية تشكل حصة صغيرة نسبيًا من الاقتصاد الأميركي.

ويرى الباحثون الذين أعدوا الدراسة، وهم كولاسيتو، وهوفمان، وفان، أن تأثير الاحتباس الحراري على معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي ستكون كبيرة على المدى البعيد.

ويعتمد الباحثون في تقديراتهم، على توقعات متوسط درجات الحرارة في الولايات المتحدة خلال الفترة من 2077 حتى 2099، باستخدام ثلاثة سيناريوهات مختلفة لانبعاثات الغازات الدافئة المستقبلية سواء كانت عالية أو متوسطة أو منخفضة، مع افتراض أن الولايات الأميركية لن تتخذ أي إجراءات للتكيف مع تأثيرات درجات الحرارة المرتفعة أو التخفيف منها.

وتوصلت الدراسة، إلى أن ارتفاع درجات الحرارة سيقلل من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بنسبة 0.2 إلى 0.4 في المائة خلال الفترة من 2070 حتى 2099، أي نحو 10 في المائة من معدل النمو السنوي المتوسط لهذه الفترة والبالغ 4 في المائة.

وبموجب سيناريو الانبعاثات المرتفعة، يمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى خفض معدل النمو بنسبة تصل إلى 1.2 نقطة مئوية، أي ما يقرب من ثلث معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي المتوسط.

تأثير الحرارة في المواسم المختلفة

وتقول الدراسة إن التأثير السلبي لارتفاع درجات الحرارة في الصيف على نمو الناتج المحلي الإجمالي أصبح كبيرًا منذ عام 1990، رغم التقدم في التدابير التي تتخذها الدولة للتكيف مع تغيرات المناخ، وتخلص الدراسة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة في المستقبل قد يعيق النمو الاقتصادي في مجموعة متنوعة من الصناعات حتى في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة.

وسجل شهر يونيو/ حزيران الماضي، ثالث أكبر ارتفاع للحرارة في جميع الولايات الأميركية منذ بدء تسجيل درجات الحرارة في عام 1895، وفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، وكانت أعوام 1933 و2016 الأكثر سخونة منذ بداية القرن العشرين.

وترى الدراسة، أن الزيادة في درجات الحرارة خلال الصيف ترتبط بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي لكل ولاية، مشيرًة إلى أن كل زيادة بمقدار 1 درجة "فارينهايت" في متوسط درجة الحرارة في فصل الصيف تقلل من معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي للولايات بنسبة 0.154 في المائة، وتقول إن تأثير درجات الحرارة على معدل نمو الناتج المحلي تزداد مع مرور الوقت وتصبح دائمة على المدى الطويل.

وتشير النظرية الواردة في الدراسة، إلى أن ارتفاع درجات الحرارة خلال أشهر الخريف الباردة له تأثير إيجابي على النمو الاقتصادي، وفي المتوسط، فإن كل زيادة بمقدار 1˚ "فارينهايت" في متوسط درجة الحرارة، تزيد معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.102 في المائة، هذه النتيجة أصغر وأقل قوة إحصائيًا من تأثير فصل الصيف، ولا تجد النظرية أي آثار هامة لزيادات درجة الحرارة في فصلي الربيع أو الشتاء.

ويقسم كولاسيتو وهوفمان، البلاد إلى أربع مناطق - الشمال والجنوب والغرب الأوسط والغرب، باستخدام تصنيفات مكتب الإحصاء الأميركي، ويجد الباحثون أن اقتصادات الولايات الجنوبية هي الأكثر حساسية للتغيرات في درجات الحرارة في الصيف وفي الخريف، حيث إن متوسط درجات الحرارة هو الأعلى في الجنوب، وأظهرت الدراسة أن هذا التأثير ليس مدفوعا بالدور الأكبر للزراعة في الولايات الجنوبية، إذ أن الآثار الاقتصادية لدرجة الحرارة ممتدة على نطاق واسع في مجموعة متنوعة من الصناعات.

تأثيرات على الصحة والإنتاجية

وتقول الدراسة، إنه من الخطأ أن نعتقد أن ارتفاع درجات الحرارة لن يؤثر إلا على الزراعة، حيث إن درجات الحرارة القصوى لها آثار كبيرة على صناعات عدة، وعلى سبيل المثال، عندما تتخطى درجات الحرارة 90 درجة "فارينهايت" فإنها تؤدي إلى خفض الإنتاج في مصانع السيارات في الولايات المتحدة.

وفي دراسة أخرى نشرها بنك الاحتياطي الفيدرالي في ولاية شيكاغو، جاء أن الطقس الشتوي القارس له تأثير سلبي كبير على مجموعة متنوعة من الصناعات، وإن كان التأثير قصير الأجل.

ووجد كولاسيتو وهوفمان، أن ارتفاع درجات الحرارة في الصيف له تأثير سلبي على إنتاجية العمال بشكل عام، في حين أن ارتفاع درجات الحرارة في فصل الخريف له تأثير إيجابي، ويضيفان أنه من الممكن أن تؤثر الخسائر في إنتاجية العامل على مجموعة واسعة من الصناعات.

وتتضرر قطاعات الخدمات والتمويل والتأمين والعقارات، التي تشكل نصف الناتج المحلي الإجمالي المحلي للولايات المتحدة، من ارتفاع درجات الحرارة في الصيف. وتشير الدراسة إلى أن قطاع العقارات يتأثر في فصلي الربيع والصيف، لأن البحث عن منزل جديد يتطلب السفر والتجوال للبحث عن المكان المناسب، ومع ارتفاع درجات الحرارة، قد يميل المشترون المحتملون إلى البقاء في منازلهم وعدم البحث عن عقارات في فترات الجو الساخن.

من ناحية أخرى، أكدت الدراسة أيضا أن درجات الحرارة المرتفعة تؤثر سلبا على الصحة، مما يؤدي إلى زيادة عدد المستشفيات، ويفترض كولاسيتو وهوفمان أن هذه العلاقة بين الصحة والجو تفسر زيادة الطلب على قطاع التأمين، ومع تفاقم المشاكل الصحية، ستواجه شركات التأمين مطالبات متزايدة، وبشكل عام، وجدت الدراسة أن زيادة في درجة الحرارة بمقدار ˚1 "فارينهايت" ترتبط بانخفاض قدره 1.3 في المائة في نمو الإنتاج لقطاع التأمين.

وتشير الدراسة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف له تأثير سلبي كبير على الزراعة والغابات وصيد الأسماك، ومع أن هذا القطاع لا يمثل سوى 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، فإن الخسائر في هذا المجال قد تمتد إلى قطاعات أخرى في الاقتصاد، مثل متاجر التجزئة للأغذية.

على الجانب الآخر، فإن ارتفاع درجات الحرارة في الصيف له تأثير إيجابي على بعض الصناعات مثل المرافق والتعدين.

ويتوقع علماء المناخ أن متوسط درجات حرارة الأرض سيرتفع خلال العقود القادمة، وسيكون لذلك مجموعة متنوعة من التأثيرات البيئية، ويظل السؤال المهم الذي يسعى العلماء للإجابة عليه هو ما التأثير الفعلي لارتفاع درجات الحرارة على الاقتصاد العالمي؟ وركزت بعض الدراسات في هذه المسألة على البلدان النامية لأنها الأكثر عرضة لآثار درجات الحرارة المرتفعة، بخاصة أن اقتصادات البلدان النامية تعتمد بشكل كبير على الزراعة أو الأنشطة الخارجية الأخرى، كما أن هذه البلدان ليس لديها إمكانات كافية لتكرسها من أجل التخفيف من آثار الحرارة، مثل تكييف الهواء، وهو ما يعظم من الآثار السلبية على النمو الاقتصادي لهذه الدول.