الرئيس دونالد ترمب

اصطدمت المفاوضات مع كندا بشأن اتفاقية التبادل الحر في أميركا الشمالية "نافتا" ، بتشدّد دونالد ترمب المستمر في حملته التجارية، التي يتوقع أن تشهد تصعيدًا جديدًا الأسبوع المقبل مع الصين هذه المرة ، وفي الوقت الذي بدأت ترتسم فيه ملامح هذا الاتفاق الأميركي الشمالي الذي يربط الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، أنهت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند بحدة الجمعة ، المحادثات مع الممثل الأميركي للتجارة روبرت لايتهايزر، بسبب تصريحات أدلى بها الرئيس الأميركي.

وقال الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتهايزر مساء الجمعة، إنّ الرئيس ترمب أبلغ الكونغرس الأميركي أنه يعتزم توقيع اتفاقية للتجارة مع المكسيك خلال 90 يومًا، ويمكن لكندا أن تنضم إليها إذا كانت راغبة ، وقال لايتهايزر في بيان " إن مسؤولين أميركيين سيستأنفون المحادثات مع نظرائهم الكنديين يوم الأربعاء المقبل، بهدف الوصول إلى اتفاق يمكن لجميع الدول الثلاث أن توقعه ". وقبل فتح المسؤول التجاري الأميركي الباب أمام استمرار المفاوضات، قال ترمب الجمعة في كلمة ألقاها في ولاية نورث كارولاينا "أنا أحب كندا ، لكنها تستغل بلادنا منذ سنوات كثيرة".

ويرجح محللون أن تكون تصريحات الرئيس الأميركي أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تعثر المحادثات بين الجانبين مساء الجمعة ، وكان ترمب تباهى في تصريح صحافي "بأن إدارته لم تقدم أي تنازل إلى كندا، وأن أي اتفاق لن يتم فقط إلا بشروطنا" ، و وفق ما نقلت صحيفة "تورنتو سوار" عن وكالة "بلومبيرغ" ، فإن ترمب لم يمتنع عن التصريح بذلك علنًا، لأنه سيكون مهينًا ألا يتوصلوا الكنديون إلى اتفاق، مضيفًا "لا يمكنني قتلهم".

و أكد ترمب تصريحاته في تغريدة قال فيها "على الأقل باتت كندا تعرف ما عليها فعله " وتابع السبت في تغريدة أخرى "أحب كندا لكنهم استغلوا بلدنا لسنوات" ، وعلى الرغم من أن المفاوضين الكنديين والأميركيين تظاهروا بتجاهل هذه التصريحات، مفضلين الحديث عن محادثات مثمرة وتقدم ومشاورات جديدة الأربعاء المقبل، فإن اللهجة العدائية لترمب سممت على الأقل هذه المحادثات الدقيقة.

وكانت وزيرة خارجية كندا كريستيا فريلاند حاولت في واشنطن التوصل إلى حل وسط مع الممثل التجاري الأميركي، لكنها وبعد أن أبدت تفاؤلًا في البداية، عادت وأعلنت مساء الجمعة أنها مضطرة إلى الدفاع عن مصالح بلادها ، ونقل عن فريلاند أنها عبرت عن ثقتها بأن كندا ستتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة إذا توفرت النيات الحسنة والمرونة لدى جميع الأطراف" ، وأبلغت الصحافيين بعد اختتام 4 أيام من المحادثات من دون اتفاق "نواصل العمل بجدية بالغة ونحن نحقق تقدمًا ، لكننا لم نصل بعد إلى مبتغانا" ، وأضافت قائلة "مع النيات الحسنة والمرونة لدى جميع الأطراف، أنا متأكدة أننا يمكننا أن نحقق هدفنا " ، وشدّدت الوزير الكندية مجددًا على أهمية التوصّل إلى صيغة معدّلة لمعاهدة التجارة الحرّة لأميركا الشمالية "نافتا"، تكون جيدة بالنسبة إلى الكنديين.

ظهر أن استئناف المفاوضات يوم الأربعاء المقبل سيكون في أجواء أقل صفاء، بخاصة أن ترمب لا يبدي أي مؤشر تهدئة حتى مع حلفائه التاريخيين ، فخلال هذا الأسبوع لم يتردد في التهجم على توافق هش تم التوصل إليه الشهر الماضي مع بروكسل ، وكان ترمب ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر تعهدا نهاية يوليو /تموز الماضي بـالعمل معًا على إزالة الرسوم الجمركية والحواجز غير الجمركية مع استثناء قطاع السيارات ، وكلف فريق عمل بقيادة المفوضة الأوروبية للتجارة سيسيليا مالستروم والممثل التجاري الأميركي بالعمل على دراسة الخطوط العريضة لهذا الاتفاق.

و قالت مالستروم في بادرة حسن نية الخميس الماضي ، إن الاتحاد الأوروبي مستعد لخفض الرسوم الجمركية إلى الصفر حتى على السيارات، إذا فعلت واشنطن الأمر ذاته ، ورد ترمب الحانق من وجود سيارات مرسيدس في شوارع نيويورك "هذا غير كافٍ " ، مضيفًا أن "مستهلكيهم معتادون على شراء سياراتهم وليس سياراتنا".

و ينوي ترمب تفعيل سلسلة جديدة من الرسوم الجمركية ضد الصين، ربما بداية من منتصف ليل الخميس المقبل ، ولمعاقبة الصين التي يتهمها ترمب بممارسات تجارية غير شرعية وسرقة ملكية فكرية، و تفرض واشنطن حاليًا رسومًا جمركية بنسبة 25 في المائة على سلع صينية بقيمة 50 مليار دولار ، وردت الصين بالمثل ، لكن الإدارة الأميركية قالت إن موجة جديدة من هذه العقوبات يمكن أن تفرض في سبتمبر / أيلول الحالي، وتشمل منتجات بقيمة 200 مليار دولار ، و وفق وكالة "بلومبيرغ" التي اعتمدت مصادر عدة ، فإن ترمب يمكن أن يفعل ذلك بعد فترة من المشاورات العامة ، والهدف بالنسبة للإدارة الأميركية التي أشعلت هذه الحرب، يبقى زيادة الضغط على الصين لحملها على خفض فائضها التجاري الهائل مع الولايات المتحدة الذي فاق 375 مليار دولار في 2017، حتى أن ترمب هدد باستهداف مجمل السلع المستوردة من الصين التي تبلغ قيمتها نحو 505 مليارات دولار.

وتشعر واشنطن بأنها في موقع قوة، في وقت لم تستورد فيه القوة الاقتصادية الثانية "الصين" إلا ما قيمته 129.89 مليار دولار من السلع الأميركية في 2017، وقال ويلبور روس وزير التجارة الأميركي مراراً" لدينا ذخيرة تفوق كثيراً ذخيرتهم ، وهم يدركون ذلك" ، وعلى الجبهة الكندية يمكن أن تخسر واشنطن الكثير في سوقها الرئيسية، وفق ما قالت وزيرة الخارجية الكندية، وأكدت أنه بالنسبة لواشنطن يبقى الجار الأميركي الشمالي " أهم من الصين واليابان والمملكة المتحدة مجتمعين ، إذ إنه يمثل أكثر من ملياري دولار من النشاط يوميًا " وأضافت "أعرف أن الجانبين يفهمان أهمية اتفاق نافتا، ومهمة المفاوضين الكنديين هي التوصل إلى صيغة مربحة للطرفين".