خبز التنور

البساطة والألفة الاجتماعية والتعاون ارتبط برغيف الخبز البلدي في أرياف بلدة "عامودا" التابعة إلى محافظة الحسكة، شمال شرقي سورية، الذي يرمز إلى الحنين إلى الوطن وأحضان الأمهات، ولم تستطع المخابز الحديثة وأرغفة الخبز السياحي أن تسرق من رغيف التنور رونقه الخاص وشعبيته الجارفة، فقد حافظ على حضوره المستمر في موائد الفقراء والأغنياء على السواء.

فمع شروق شمس الصباحات الريفية في تل عروس في ريف عامودا تنتشر رائحة خبز "التنور والصاج" اللذيذ، والمقمر على الحطب لتملأ أرجاء القرية، وما زال مشهد تجمع الأولاد حول أمهم وهي تخبز على التنور ينتظرون خروج الرغيف الساخن حتى توزعه عليهم. مشهد تعيشه فاطمة أنور مع إشراقة كل صباح في قريتها, تتحدث لـ"العرب اليوم" عن تحضير العجين وتهيئة التنور وفق درجة حرارة مناسبة, مشيرة إلى أن الخبز على التنور يتطلب خبرة ومهارة، كما أن السرعة أساسية كون لصق الرغيف داخل التنور وسحبه بعد نضجه يتطلب سرعة كبيرة تفاديا لحرق اليدين لأن درجة الحرارة داخل التنور تكون مرتفعة جدا.

وكثيرا ما يختلف طعم الخبز بين سيدة وأخرى، وسابقا كانت النساء يتنافسنّ في ما بينهنّ في صناعة وجودة رغيف التنور، وكانت الفتاة التي تتقن الخبز في تلك السنوات مرغوبة جدا للزواج، حسب رواية خديجة شقيقة فاطمة لـ"العرب اليوم" التي تتقن بمهارة فائقة صناعة خبز الصاج والتنور وتضيف: "في ساعات الفجر الأولى نبدأ بعجن الطحين المتخمر وذلك باستخدام طشت معدني بغية تهيئة العجينة للخبز، وكلما عجنا الطحين أكثر كان خبزه أسهل ونتج عنه رغيف أجود، بعد الانتهاء من تجهيز العجينة نغطيها بقطعة قماش ونتركها لمدة نصف ساعة حتى تستريح، وخلال هذه الفترة يتم إيقاد النار في التنور باستخدام الحطب، وتأتي بعدها التحضير لتقريصات العجين وهي قطع كروية الشكل من العجين كل قطعة يصنع منها رغيف واحد".

وحسب حجم الرغيف الذي ترغب بتحضيره العجانة، حيث تمدها وترققها بحركة دائرية باليد ثم توضع العجينة على قطعة قماش دائرية محشوة ببعض القطع القماشية بسماكة 10 سم توضع عليها قطعة العجين بعد مدها لتلصق بأحد أطراف التنور من الداخل ومهمتها حماية اليد من النار أثناء لصق الرغيف، بعد لصق الرغيف على جدار التنور يترك حتى ينضج ثم يسحب باليد أو باستخدام ملقط بساق معدنية طوله نحو 25 سم، وبعد إخراج الخبز من التنور يعرض للهواء حتى يبرد.

ومن منطلق الفلكلور والتراث والتنوع وإرضاء رغبات الزبائن، لم تتأخر المحلات الشهيرة ومطاعم مدن الجزيرة في تأسيس تنانير داخل محلاتهم ومطابخ مطاعمهم وجعلها ظاهرة أمام المارة والمرتادين كمحل أبوديروك في مدينة القامشلي الذي يتهافت الزبائن لشراء خبزه اللذيذ ذات الرائحة العبقة، ويعتقد أن مشاهدة إنتاج الخبز وبشكل مباشر في هذه التنانير، تجذب الناس وتدفعهم لتناول خبز التنور الذي يتراوح ثمن خمسة أرغفة منه الـ500 ليرة سورية ما يعادل الدولار الواحد، إضافة لقيمته الغذائية والصحية.

ويؤكد الكثير من المختصين في علوم التغذية أهمية الخبز البلدي الأسمر صحيا وغذائيا، حيث يعتبرونه غذاء متكاملا يحتوي على القمح وقشوره ونخالته ويحتوي على العديد من المواد المعدنية والفيتامينات التي يحتاجها الجسم البشري كما أنه مفيد للمعدة والأمعاء ولمرضى السكري ولأصحاب الأوزان الثقيلة ولمرضى الجهاز العصبي، فهو يساعد على الامتصاص وهضم المواد الغذائية وطرح السموم من الجسم، كذلك يفيد الرجال ومرضى القولون العصبي.