مؤتمر قمة الإنترنت

بالرغم من بقاء وحيوية القيم الصحافية التقليدية، إلا أنَّ الانتشار السريع لوسائل الإعلام الاجتماعية، كان له أثر كبير على المؤسسات الصحافية في طريقة تغطية الصراعات والأحداث حول العالم.

هذه كانت على الأقل النتائج الأساسية التي خلصت إليها اللجنة التي اجتمعت في دوبلن، صباح الخميس، في مؤتمر قمة الإنترنت، وحضر القمة لفيف من ممثلي الهيئات الصحافية منها "التايم، فايس نيوز ونيوز كوربوريشين والتي تملك  هيئة خدمات اجتماعية وهي ستوري فول".

بدوره، أكد المحرر في صحيفة "التايم" مات ماك أليستر "أنا لست على يقين تام بأّنَّ مهمة الصحافة قد طرأ عليها تغييرًا كبيرًا، بدليل أنَّنا ما زلنا ندفع بمراسلينا الصحافيين للوقوف على الأحداث وموافاتنا بالأخبار العاجلة، ولكن باعتبارنا صحافيين نجد أنَّ تويتر هو منافسنا على أرض الواقع".

وأضاف أليستر "كثيرًا من المؤسسات الصحافية والإعلامية في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تعثرت جرَّاء هذه التغييرات وعفا عليها الزمن ومنها من لم تجد مكانًا لها على الإطلاق".

وأُثناء مناقشات لجنة المؤتمر، تناول المشاركون عبارة "صحافة المواطن" حيث أنهم أقروا بأهمية دور شهود العيان في مواقع الأحداث، حيث أنَّ دورهم يضاهي دور الصحافي وذلك عبر ما ينشرونه على واقع التواصل الاجتماعية من أخبار عاجلة.

وصرّح رئيس البرامج الإخبارية في صحيفة "فايس نيوز" للإتحاد الأوروبي كيفين ساتكليف بأنَّه "يعتبر تويتر مصدرًا مهمًا لتلقي الأخبار؛ لأنه ينقل الأحداث فور وقوعها".

فيما أضاف المدير التنفيذي لصحيفة "ستوري فول"، مارك ليتل "إنَّ وسائل إنتاج الأخبار الصحافية انقلبت رأسًا على عقب، حيث إننا الآن نتلقى الأخبار من ناس عاديين عن طريق كاميرات المحمول أو شبكات التواصل الاجتماعي"

وأشار إلى أنَّه "أصبح دورنا كصحفيين قاصرًا على الإدارة والتحكم في كم المحتويات الإخبارية الكبيرة والسبب الحقيقي هو أنَّ آليات نقل الخبر الحديثة جعلت من كل شخص خارج المهنة هو صانع لمحتوى الخبر". 

وأكدت اللجنة على عدم اندثار التقاليد والقيم الصحافية القديمة، حيث تابع ساتكليف قائلًا "هذه التقاليد بالفعل قديمة جدًا، فهل هي تضمن سرعة الوصول إلى الخبر أو تضمن مدى مصداقيته, فلماذا أدعم مثل هذه التقاليد؟ أرى أنَّ مستوى الثقة مهم جدًا فعند حصولي على خبر، كيف لي أن أتأكد أنه حدث بالفعل وما مدى مصداقيته، وما هي مصادر نقل الخبر؟"

وذكر ليتل "سيكون هناك نوعان من الصحافة الموازية موجودة على الساحة لنقل الأخبار، الأولى الأخبار الحقيقية التي ينقلها المراسلون الأجانب وقت وقوع الحدث، أما الأخرى تتمثل فينا كصحافيين مهمتهم بانتقاء وتنقيح الأخبار".

وعلى الرغم من ذلك نجد أنَّ بعض المؤسسات الإعلامية تمارس دورها في "فلترة" الأخبار وذلك عن طريق توظيف مراسلين في أمكان الأحداث، على سبيل المثال، صحيفة "التايم" الإخبارية كوَّنت فريقًا من المراسلين تابع لها ومهمته نقل الأخبار العاجلة فقط، وهذا الفريق يبقى عن عمد بعيدًا عن فريق مراسليها الأجانب.

واستطرد ليتل "استطاعت الصحيفة توظيف مجموعة من الشباب صغير السن في كل من نيويورك و هونغ كونغ بحيث تكون مهمتهم الأساسية هي تقديم خدمة نقل الأخبار العاجلة، فبمجرد اطلاعهم على خبر جديد صادر عن مؤسسة إخبارية موثوقة، ما عليه إلا أن يكتبوه بشكل عاجل في فقرتين أو 3 فقرات عن الموضوع ثم ينشرونه على موقع الجريدة"

واستأنف "هذه الآلية تضمن إعطاء كل خبر حقه من حيث التغطية، بالإضافة إلى أنها لا ترهق مراسلينا، حيث أنهم ينفذون هذه المهمة على أكمل وجه من حيث الحصول على ما تريد من أخبار، وهذا ما تفعله أيضًا صحيفة فايس نيوز".

وعلى الجانب الآخر كان ليتل، أكتر انتقادًا لفكرة تغطية المؤسسات الصحافية للأخبار العاجلة، قائلًا "أثبتت وسائل الإعلام الاجتماعية مدى فاعليتها في نقل الأخبار العاجلة، وأنَّ وسائل الإعلام الاجتماعية هي بطبيعة الحال تنقل الأخبار العاجلة".

وتابع "إنَّ الفكرة من الناحية التجارية هي مربحة حقا، ولكنّني أرى أنَّ فكرة انتظار وميض عبارة "أخبار عاجلة" على الشاشة، ومن ثم نقل الخبر لمجرد تحقيق المركز الأول في نقل الأخبار العاجلة؛ فأنا أراه هراء بشكل كبير وذلك لأنَّ هناك شخص آخر في الخارج كان شاهد عيان على الحدث".

وفي هذا الصدد، عرض ليتل، الطريقة التي انتهجتها  صحيفة "ستوري فول"، حيث أنَّ الصحيفة عيَّنت شهود عيان لموافاتها بالأخبار عبر شبكة الإنترنت والاستفادة بخدماتهم لصالح جمهور أكبر من متابعي الأخبار، قائلًا "إنَّ أهم ما نبحث عنه هو الحصول على أول محتوى من الفيديوهات أو التغريدات والتي بدورها تنقل الخبر بشكل صحيح، ونحن كمؤسسة إعلامية يعمل لدينا 40 صحافيًا معنيين بالدرجة الأولى بالبحث عن مصدر مباشر لنقل الحدث وقت وقوعه".

وأضاف "إنَّ أهم شيء نهتم به هو التأكد من هوية ومصداقية الشخص الذي ينقل الخبر عن طريق كاميرا الهاتف في الشارع الآن، وبذلك يمكننا القول أنَّ مجرى الظروف الحالية جعل من توثيق الأخبار بديلًا عن المؤسسات الإعلامية التقليدية".

ومع هذا فقد تكون الموثوقية أحيانًا عملة مزيفة، فالصور التي تدعي حدوث انفجار في أحد البلدان فقد تكون مأخوذة منذ أشهر، في حين الإشاعة على "تويتر" تنتشر بسرعة في أعقاب كارثة طبيعية أو هجوم متطرف.

واقترح ليتل، أنَّ هناك توجه متزايد في الرقابة الذاتية لوسائل الإعلام الاجتماعي، موضحًا "لم تكن هناك طريقة أفضل لنشر خدعة ولا مكتب لتدقيق الواقع من وسائل الإعلام الاجتماعية".

وفي جلسة سابقة، كان للمقدمة وللمنتجة في "بي بي سي تريندينغ" السيدة آن ماري تومشاك، رأي مماثل حيث قالت "إنَّ وسائل الإعلام الاجتماعية ليست مجرد صحافيين يسألون الكثير من الأسئلة حول ما يجري مشاركته على الانترنت، بل أصبح مستخدمو وسائل الإعلام الاجتماعية مميزين حقا عما يرونه".

وفي الجلسة اللاحقة، كان لفيف الصحافيين متفائلون جدًا بالنزعة للأخبار الدسمة والشؤون الخارجية بين "جيل الألفية" الذين هم أكثر الناس نشاطًا في وسائل الإعلام الاجتماعية، وذكر سوتكليف مجددًا أنَّ المديرين التنفيذيين في "فليس" قد قاموا بذلك بانتظام في الأشهر الأخيرة.

وقال "جاء ذلك من مناظرة مثيرة للاهتمام حقًا في أخبار التراث، حيث لم يكن الشباب مهتمين بالأخبار، ولا لمشاهدة أي شيء أطول من دقيقتين على الانترنت." وأضاف "ما اكتشفناه في الأشهر الستة الماضية، جعلنا نغاير الأمر تمامًا حيث

لم تهتم هذه الفئة العمرية إلا بالأخبار والشؤون الراهنة والعالم، إنها هائلة وإنها تنمو باطراد".

ورأى ماكلستر، أنَّه قبل 5-10 أعوام "كان من المسلمات أنَّ العالم لا يهتم بالأنباء الأجنبية" واتفقوا على أنَّ الوسائل الحديثة، والبوابات الالكترونية عززت هذه الفكرة، مبيّنًا "هذا ما تقوم به فايس وبز فييد، ماشابل والكثير من الشركات الناشئة عبر توظيف مراسلين أجانب والحصول على عدد من الزوار بدرجة مدهشة".

واستكمل "إنَّ هذا مشجع للغاية حتى للعلامة التجارية القديمة مثل تايم، ونحن جميعًا بحاجة للمنافسة، كما أنَّ القنوات الإخبارية على مدار الساعة أوشكت على الاندثار حيث أنَّها جميعًا تسير وراء حدث واحد بدلًا من السعي إلى المزيد من الأخبار، فما نبحث عنه هو الأمر الذي نراه مهمًا ويمكنك إيجاد ذلك في أي مكان، سنقوم بتغطية أحداث أوكرانيا ولكن هناك مكان آخر لا يوجد به أحد ولا توجد له تغطية فهو أيضًا مهم فنحن لا نقتفي أثر إحدى المؤسسات الإخبارية".

وأثنت تومشاك في عرضها على ردود مستخدمي تويتر حول الاضطهاد وأعمال القتل التي يرتكبها تنظيم "داعش"، كما أنَّها ذكرت حملة "#WeAreN" ودورها في عرض للعلامات التي كتبها أعضاء التنظيم على منازل المسيحيين وعرض صور لذلك تعاطفًا مع هؤلاء الناس وفي محاولة لمناهضة مناصري التنظيم.

وقالت في الوقت الذي يسعى فيه "تويتر" ليكون هو نقطة هذه الحملات وكذا الأخبار الموجزة، تلعب تطبيقات المحادثة دورًا هامًا مثل "واتساب" و"تشات فير"، مبيّنة "أنا على يقين بأنَّ هذه التطبيقات ستصبح المكان الذي نشارك فيه الأخبار ونجمعها ونتبادلها، فالوسائل الاجتماعية هي منصة التبادل السياسي والثقافي والاجتماعي وكذلك هي أحدث وسائل الحرب".

وفي هذه الجلسة حذَّر ليتل، الصحافيين من عدم تجاهل محاولات الحكومات في تخريب الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي، قائلًا "ستظهر وسائل صحافية جديدة فنحن الآن في سباق جيوش من وكالة الأمن القومي للحكومة الصينية، التي تحاول تكميم حرية التعبير واستخدام وسائل الإعلام الاجتماعية ضدها، فنحن الآن على الجانب الآخر المعاكس".