الخمسينية

حياةٌ أُحيلت بكافة تفاصيلها إلى صفحات يومية بل لحظية من المعاناة والألم الذي لا ينتهي، وجعٌ لم يكن على خاطر أحدٍ من عائلتها؛ إلا أن البلاء أحلّ بها وأصبح أمراً واقعياً لا بد من تقبله، بل ولا مفرّ منه سوى كلمات الحمد التي لا تفارق شفتاها ليل نهار؛ علّ الله يفرج لهم كرباً أو يجعل لهم فرجاً .

الخمسينة نهى حسونة صاحبة الخلق العظيم، عاشت حياتها بين أبناءها بسعادةٍ يملؤها الهناء، كلُ شيء تبدد بعد أن تعبت قليلاً في بادئ الأمر؛ ليتضح الأمر بعدها أن مرض " لوكيميا " الدم قد عاث في جسدها وأصبح ملاذاً دائماً له .

باهظ الثمن

أوجاع المرض لم تكن لترحل أو تغيب عن جسد الخمسينية قط، بل أصبحت الآلام تجد مزاراً دائماً لها، وزاد ذلك صعوبة أن أعجزتها عن القيام بأي حركة من شدة الوجع، حتى أصبحت ويكأنها تنخر في عظمها، عدا عن ارتفاع معدل كريات الدم بنسب مرتفعة جداً حيث تصل في بعض الأحيان إلى تسعين ألف أو أكثر بيد أن المعدل الطبيعي لا يتجاوز الــثلاث آلاف فقط .

لم يقف حد المعاناة إلى هنا؛ ليضاف مشواراً جديداً وقاسياً من المعاناة إلى السيدة نهى وعائلتها حيث ارتفاع تكلفة العلاج الذي لا يستطيع أي موظف مقتدر دفع المبالغ المالية الباهظة مقابل الحصول عليه.

وتحتاج السيدة نهى من أجل التعافي أو التخفيف من آثار المرض الذي لحق بها إلى تناول حبة يومياً من الدواء المخصص لذلك؛ والذي يبلغ سعره أربعة آلاف و600 دولار شهرياً .

ومن المعهود عليه سابقاً أن يتم الحصول على الدواء من خلال مستشفى الشفاء بعد تلقيها له من وزارة الصحة في الضفة الغربية بشكل مستمر،إلا أن الأمر في الآونة الأخيرة لم يطول كثيراً حتى انقطع عن الوصول إلى مشافي غزة .

اضطرت السيدة نهى للحصول على تحويلات في كل شهر من أجل الذهاب بنفسها لأخذ العلاج من قبل المستشفيات " الإسرائيلية " كان آخرها خلال الحرب " الإسرائيلة" على قطاع غزة في شهر يوليو العام الماضي، وبعد فترة فوجئت بتلقيها لجواب من المستشفيات " الإسرائيلية" بعدم وجود علاج لك لعدم قبول وزارة الصحة بتغطية علاجك ماليا ً.

باءت بالفشل

حاولت مراراً وتكراراً من أجل الحصول على علاجها إلا أنها في كل مرة تبوء محاولتها بالفشل، أجرت العديد من الاتصالات مع وزارة الصحة في الضفة والقطاع إلا أنها لم تلقَ جواباً شافياً حتى الآن؛ وبعد مضي وقتٍ قصير علمت بوجود علاج بديل تُقدمه مستشفيات غزة فسارعت للحصول عليه إلا أن أملها تبدد لعدم قبول جسمها لهذا الدواء هي وأربعة أشخاص فقط، كون الدواء البديل يُسبب مضاعفات سيئة على جسدها ويُضّرها أكثر مما ينفعها .

وفي ظل وجود الدواء بإحدى الشركات في قطاع غزة مقابل الدفع نقداً، لم يقف أفراد عائلتها مكتوفي الأيدي أمام مرض والدتهم التي عشقوا وجودها بينهم بوافر صحتها وعافيتها؛ ما دفع بعضهم إلى بيع بعض الحاجيات والمستلزمات الشخصية لهم كي يوفروا المبالغ المالية ويشترون الدواء .

لكن الديمومة على هذه الحالة صعبٌ للغاية، وتوفير المال اللازم أشدُّ صعوبة؛ الأمر الذي اضطرهم إلى الاستدانة من هنا وهناك والحصول على بعض المساعدات البسيطة من أجل توفير حبات العلاج بقدر ما في يدهم من مال؛ إلا أن الوضع المادي لهم يزداد سوءاً يوماً بعد الآخر .

في الآونة الأخيرة علمت العائلة بتوفر العلاج بمستشفى الشفاء وعند سؤالهم عن ماهية التوزيع ومتى وكيف تمت الإجابة عليهم بأن الكمية الموجودة قليلة جداً، ولا معرفة حتى الآن بكيفية التوزيع ولا وقته .

وتبقى المعاناة رفيقة أهالي قطاع غزة الذين كُتب عليهم أن يتذوقوا مرارة الحياة في كل لحظة يتنفسون بها، ويعيشونها على قيد الحياة ، فلا مفرٌ من هنا ولا هناك فالصديق يُشدد الخناق والعدو يتسابق معه، ولا مجال لأمرٍ سوى اللجوء إلى الله بأن يفرج كربهم ويعينهم على هذه الأوضاع الصعبة .