"دعوات إسرائيلية" للتعامل مع قطاع غزة

بشعور من الحيطة والحذر، ترقب إسرائيل قدوم يوم الأرض، موعد انطلاق مسيرة العودة الكبرى أو المليونية، التي من المنتظر أن يشارك فيها عشرات آلاف الفلسطينيين، وتنطلق من غزة باتجاه الجدار الحدودي مع إسرائيل، حيث سيجري في نطاقها نصب خيام في المنطقة الحدودية لتسليط الضوء على قضية اللاجئين بعد 70 عاما من النكبة، كما يتوقع أن تستمر تلك الفعاليات حنى منتصف أيار/ مايو القادم، الذي يصادف ذكرى النكبة.

ورغم أن العنوان الكبير للمسيرة هو العودة، وتسليط الضوء على قضية اللاجئين، فإن إسرائيل تقرأ الرسالة التي تبعث بها المسيرة والقيادة الفلسطينية في غزة، والمعلقة بالحصار الذي يعيشه القطاع، وتفاقم الوضع المعيشي الذي يهدد بانفجار أزمة إنسانية هناك، وهي تقرأ إجراءات عباس الأخيرة التي تفاقم من هذا الوضع، وإن كانت موجهة ضد حماس التي يتهمها بمحاولة اغتيال الحمد الله، فإنها تصب في خزان الضغط المعد للانفجار في وجه إسرائيل.

إسرائيل تعرف أن المسألة تتعدى كيفية المواجهة التكتيكية لآلاف وربما عشرات الآلاف من المتظاهرين المسالمين، الذين سيحاولون اجتياز الجدار الحدودي، إن كان ذلك بالرصاص والطائرات المحملة بالغاز المسيل للدموع، أو باقتراحات أخرى أكثر سلمية، على غرار إلقاء المواد الغذائية، هي تعرف أنه آن الأوان لمواجهة الوضع الإنساني في قطاع غزة على المستوى الإستراتيجي.

ضمن هذا المنظور، برزت في الآونة الأخيرة عدة دعوات، بينها الدعوة التي وجهها الجنرال غيورا آيلاند، الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، في مقال نشرته "يديعوت أحرونوت"، دعا فيه إلى الاعتراف من قبل إسرائيل بأنها تحادي دولة مستقلة تسمّى غزة، الحكم فيها انتخب بشكل ديمقراطي نسبيا، وأنه على إسرائيل أن تشجع دول الغرب والدول العربية على الاستثمار في إعمار غزة، بإشراك حكومة حماس وليس من خلف ظهرها.

ويقدر الجنرال آيلاند، أنه كلما بنيت في غزة المزيد من محطات توليد الطاقة، منشآت التحلية أو مشاريع لإنقاذ المجاري والصرف الصحي، ستكون حكومة حماس أكثر انضباطا. وهو يواجه الحجة التي تقول إن حماس ستستغل المساعدة فقط كي تبني المزيد من الأنفاق، بحجة مضادة مفادها أن هذا هو بالضبط ما يحصل في السنوات الأخيرة، في ظل عدم التعامل مع حماس وتقديم الأموال والإمكانيات لها بشكل مباشر.

العكس هو الصحيح برأي آيلاند، إذ أن حماس ستستثمر أكثر في البنى التحتية المدنية، إذا ما اعترف بها كدولة بحكم الأمر الواقع وإذا ما أبرمت معها الاتفاقات التي تتطلب رقابة مشددة على الإسمنت وعلى باقي المساعدات التي تدخل إلى القطاع، كما يقول.

ويرى الجنرال آيلاند أن لإسرائيل لا توجد أي مصلحة في تحويل الضفة وغزة إلى نوع من الدولة الواحدة، ومن الأفضل لها أن تستعمل سياسة العصا والجزرة تجاه الكيان السياسي المستقل في غزة، من أن تهدد بالعصا فقط وتأمل أن تحرص مصر أو أبو مازن على إعمار القطاع.

في السياق ذاته، كتب أفرايم غانور، في "معاريف"، عن اجتماعات واشنطن والقاهرة والتي يشير الكاتب إلى أنها عقدت بعناية منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق المحتلة، الجنرال يوآف مردخاي، ويصفها بأنها اجتماعات طوارئ تهدف لمنع المصيبة الإنسانية في غزة، التي تقلق الأوروبيين والأميركيين.

ويقترح غانور في هذا الإطار، إعادة النظر في مسألة السماح للعمال من قطاع غزة بالعمل في إسرائيل، برقابة المخابرات الإسرائيلية، من خلال مخيمات عمل يتركز فيها العمال بين يوم الأحد والخميس، وفي نهاية الأسبوع يعودون إلى بيوتهم في قطاع غزة.

ويقول الكاتب إن عمال غزة سيساهمون في فروع البناء والزراعة الإسرائيلية التي تحتاج إلى الأيدي العاملة، وسيشكل دخولهم مصدر دخل هام وكبير للكثير من العاطلين عن العمل في غزة، ويساهم في حل الضائقة الاقتصادية هناك.