الاحتلال الإسرائيلي

يجسّد مشهد خطوط المياه المغذية للمستوطنات ومعسكرات جيش الاحتلال، وهي تخترق جبال المضارب والقرى والخرب الفلسطينية، وتمر من أمام خيام العائلات البدوية في الأغوار الشمالية، سياسة التعطيش التي تنتهجها سلطات الاحتلال في بوابة فلسطين الشرقية، ومن وجهة نظر خبير الاستيطان والانتهاكات الإسرائيلية في الأغوار، عارف دراغمة، فإن الفلسطينيين يحرمون من الاستفادة من خطوط المياه التي تمر من أمام مساكنهم وأمام أعينهم، ولكن يحظر عليهم الحصول على نقطة مياه.


وبعتبر مجرد تفكير الأهالي بالاستفادة من خطوط المياه تلك، فإن الدنيا لا تقعد، حيث "تستنفر" سلطات الاحتلال جيشها وطواقم ما تسمى بالإدارة المدنية وسلطة المياه، لمعالجة أي محاولة "اختراق" لخطوط المياه تلك. وأضاف "إن خطوط المياه تلك تمر من أراضي السكان لتروي المستوطنات والمعسكرات في المنطقة، بينما لا يستطيع المواطن الفلسطيني وهو صاحب الأرض والمياه، الحصول على كأس ماء للشرب، حيث تتناثر فتحات المياه على بعد أمتار من الخرب والقرى في مناطق المضارب، وجزء منها يمر من تحت الخيام نفسها".


وقال "لا يعقل أن تجتهد مؤسسات الاتحاد الأوروبي ومن خلفها المانحين في توافر آلاف الأمتار من خطوط المياه بحجة إيصال مياه للعائلات البدوية، وبالتالي تكدس هذه الأنابيب وجزء منها يقطعه الاحتلال، وتسجل هذه الأنابيب الملقاة في مناطق عديدة دون فائدة، تحت بند مساعدة السكان وحل مشكلة المياه".

وأشار دراغمة، إلى الحمامات التي أقامها أهالي منطقة عين البيضاء في الأغوار، وكانت وجهة الباحثين عن العلاج الطبيعي، حيث أراد هؤلاء مكانًا يشبه إلى درجة كبيرة حمامات ماعين الأردنية، دون أن يدركوا أن الاحتلال الإسرائيلي سيقف سدًا منيعًا أمام تحقيق هذا الحلم الذي أضحى حقيقة على أرض الواقع لعدة سنوات، قبل أن يقدم الاحتلال على تجفيف منابع العين.

ولفت، إلى وجود مشروع من أجل استصلاح نبع المياه هناك والحفاظ على العين، إلا أن الاحتلال حظر تنفيذ المشروع، وذلك في إطار سياسة تجفيف منابع المياه في الأغوار، ورفض تزويد المزارعين والأهالي بالحد الأدنى من كميات المياه اللازمة سواء للشرب أو الري أو للمواشي، لتضييق الخناق على أصحابها الشرعيين وإجبارهم على الرحيل عنها.


وأضاف أن هذا النبع أقدم من وجود دولة الاحتلال، وكان مشهورًا بمياهه المعدنية العلاجية، وأقام أهالي المنطقة عليه حمامات كانت وجهة للعلاج الطبيعي من قبل عشرات الآلاف، وكانت تشبه إلى درجة كبيرة حمامات معين الأردنية، قبل أن يتبدد كل شيء بفعل ممارسات الاحتلال والتي نجحت في تجفيف العين وتحويل مياهه إلى المستوطنات.

وأكمل "كانت آبار الأغوار وينابيعه تنتج قرابة 22 مليون متر مكعب في العام، انخفضت اليوم إلى نحو 8ر1 مليونا، وتوجه الأهالي حديثًا إلى عين الحمة على أمل تأمين العجز الكبير، وقبلها كنا نسحب الماء بأنابيب ومضخة توزع على 52 حصة، وكانت تروي عطش 650 دونمًا، وتراجعت اليوم إلى 280 فقط".

وكانت مياه الحمة الملاحقة اليوم من قبل الاحتلال، تسير في قنوات تقليدية تخترق الحقول بمسافة 1200 متر، وتروي خلال مرورها الخضروات والبطيخ والشمام، وانتشرت فيها أسماك السردين، قبل أن يتغير الحال.


وأشار دراغمة،إلى أن سياسة تجفيف مصادر المياه الجوفية واستيلاء الاحتلال على المعدات الزراعية للمواطنين في الأغوار الشمالية، أصبحت جزءًا أساسيًا من سياسات متعددة ينتهجها الاحتلال لتضييق الخناق على المواطنين، وصولًا إلى اجتثاث الوجود الفلسطيني في هذه المناطق، وجعلها خالصة للمستوطنين.


وقال دراغمة، إن سياسة الاحتلال بهدم وتجفيف مصادر المياه ومصادرة كل ما يتعلق بالزراعة بدأت تتضخم بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، مشيرًا إلى أن عشرات العائلات تضطر خلال فصل الصيف الذي تكون فيه درجات الحرارة مرتفعة، إلى الرحيل عن أماكن سكناها، تحت وطأة نقص كميات المياه بفعل سياسة الاحتلال بالسيطرة على موارد المياه الجوفية.

وأشار، إلى أن الاحتلال استولى على أكثر من عشرات الجرارات الزراعية من المضارب البدوية في الأغوار، إضافة إلى أكثر من صهاريج مجرورة لنقل المياه خلال السنتين الماضيتين، وست مضخات للمياه، وخطوط مياه كانت تستخدم لتوصيل المياه للمواطنين بطول يزيد عن 22 كيلومترا، صودرت خلال الأشهر الأخيرة.وأكد، أن مؤسسات الاحتلال تتحالف في مواجهة العائلات البدوية، من خلال مصادرة عشرات المعدات والآليات التي يضطر بعض أصحابها من استرجاعها بعد احتجاز لمدة طويلة وإجبارهم على دفع غرامات مالية باهظة تفوق أثمانها، وبعضها ما زال محتجزا لدى الاحتلال