انتخابات الكنيست

فيما تتحرك الأحزاب السياسية الإسرائيلية في جميع الاتجاهات حاليًا لتحقيق النتائج المأمولة في الانتخابات المبكرة في إسرائيل والمقررة في 17 أذار/مارس المقبل، إلا أن انتخابات الكنيست العشرين المنتظرة العام المقبل تعتبر نسخة مكررة تماماً من انتخابات الكنيست السابقة، باستثناء اختلاف الموقف من بنيامين نتنياهو وأجواء الاندماج بين القوى السياسية الإسرائيلية.

وفي الانتخابات السابقة كان معلوماً مسبقاً من سيشكل الحكومة، فاقتصر الصراع على شروط الائتلاف مع نتنياهو، اليوم الكل تقريباً يوحدهم شعور المرارة والإحباط من نتنياهو والرغبة في التخلص منه، وسابقاً تغلبت الرغبة بدخول السباق الانتخابي بقوائم مستقله لتكون أكثر حرية في الائتلاف، واليوم تتغلب الرغبة بالاندماج والشراكة بدوافع انتهازية (العمل – الحركة – كاديما) وبدوافع البقاء تحت تهديد سيف رفع نسبة الحسم (الأحزاب العربية).

بيد أن أهم ما يميز هذه الانتخابات على مستوى التشكيلات الحزبية الانتخابية هو ظهور حزب مركز يمين جديد بقيادة موشيه كحلون، المنشق عن "الليكود"، ينافس حزب لبيد من حيث المكانة على الخارطة الحزبية، ومن حيث الأجندة، ومن حيث النجومية الشخصية.

استطلاعات الرأي التي تمنح حزب أو قائمة كحلون، التي لم تتشكل بعد، أكثر من عشرة مقاعد، وهذا قبل أن يبدأ حملته الانتخابية وقبل أن يشكل قائمته الانتخابية؛ جعلت كحلون حصان الانتخابات الأسود الذي يجذب إليه الأضواء، ويحظى بالمجد والشهرة، جعل الكثير من الانتهازيين والمتسلقين الحزبيين (وهم كثر) ورجال اعمال وإعلاميين يخطبون وده، راجين أن يكونوا ضمن تشكيلته الحزبية.

ووفق مركز "أطلس للدراسات الاسرائيلية" فإن الأجندة الاجتماعية الاقتصادية باتت موضة أحزاب الموضة والأحزاب التي تخجل أو تخاف من الافصاح عن هويتها السياسية؛ إما لأنه ليس لديها هوية سياسية حقاً تختلف جوهرياً عن الهوية السياسية الليكودية، أو لقناعتها أن الناخبين الإسرائيليين بأغلبيتهم ضمن المعسكر القومي العنصري، ولم يبق لها سوى العزف على وتر تحسين ظروف المعيشة وتعزيز منظومة القيم.

حزب كحلون هو واحد من أحزاب الموضة، أحزاب المزاج العام، يملأ فراغ غياب الحضور الكبير السابق للأحزاب الرئيسية، والفراغ الناتج عن تحطم أو تراجع أحزاب الموضة السابقة (كاديما – الحركة – يوجد مستقبل)، وهو مثل الأحزاب السابقة يقوم على نجومية الزعيم الذي يجب أن يتمتع بصفات الجاذبية الزعامية، فالذي يهم الناخب الإسرائيلي هو انطباعه الشخصي عن المسيح المخلص الجديد، وليس مهماً برنامجه أو الأشخاص الذين سيحتلون قائمته الانتخابية، وهو تقريباً نفس السيناريو الذي تكرر مرات عديدة سابقاً مع حزب المتقاعدين برئاسة المتقاعد رافي ايتان (من مسؤولي الموساد سابقاً) ومع حزب "شينوي" برئاسة إعلامي عنصري (تومي لبيد)، ومع حزب "كاديما" برئاسة شارون، ومع حركة ليفني وحزب لبيد، وإلى حد ما مع "البيت اليهودي" برئاسة بينيت.

ولأن شخصية الزعيم في أحزاب المزاج أهم من الحزب نفسه، فهو الحزب، وهو الآمر الناهي في كل صغيرة وكبيرة، وتوجهه هو دستور الحزب ومزاجه هو رؤيته للحزب؛ فإننا سنركز على شخصية موشيه كحلون على مستوى سيرته الذاتية وعلى مستوى مواقفه السياسية.

من حيث سيرته الذاتية؛ فهو يعتبر قصة نجاح إسرائيلية لشخص صعد كل درجات السلم الاجتماعي السياسي من الصفر إلى القمة، حيث كان الخامس بين أخوته التسعة، وهو من مواليد 1960 لعائلة فقيرة من أصول ليبية، عاشوا جميعهم في شقة صغيرة من غرفتين في حي "جفعات اولغا" في مدينة حيفا، ويقول عن عائلته إنها لم تمنحه سوى الدفء والحميمية العائلية التي جعلته يواجه ظروف الحياة الصعبة، ويقول إن مكتبة بيته لم يكن فيها سوى كتابين عن الشريعة اليهودية والتراث والثقافة اليهودية الذيْن قرأهما أكثر من مرة ويستطيع اقتباس بعض فقراتها شفاهية، وكانت لعبة تنس الطاولة هوايته المفضلة، حيث نال بطولة مدينة حيفا في اللعبة.

بدأ خدمته في الجيش سنة 1978، وخدمة الجيش بالنسبة لمن هم في وضعه الاجتماعي تعتبر فرصة للتحرر الاجتماعي ولبداية طريق التكوين الشخصي، خدم في الجيش في سلاح التسليح، وكانت وظيفته الأخيرة في الجيش مرشدًا رئيسيًا في معسكر تدريبات الجبهة الداخلية في المنطقة الشمالية، وتسرح من الجيش سنة 1986، بعد تسريحه من الجيش عمل في مجال بيع قطع غيار السيارات حتى سنة 2001، وكان أثناء ذلك نشيطًا في مجالات اجتماعية مختلفة داخل مدينة حيفا، وكذلك عضواً في مجلس الإدارة الموسع لجمعية (لأجل الجندي).

 وبدأ نشاطه السياسي تقريبًا في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، عندما تطوع لمساعدة رئيسه السابق في الجيش رامي دوتان لانتخابات مجلس بلدية حيفا؛ عندها تعرف على الليكودي المتطرف عوزي لانداو (اليوم في حزب ليبرمان)، ولاحقاً عندما أصبح لانداو وزيراً للأمن الداخلي عينه مديراً لمكتبه؛ الأمر الذي وضعه على الطريق الذهبية لاقتحام مركز "الليكود" وقصر له الكثير من الطريق وأزال من أمامه الكثير من العقبات، لا سيما أن لانداو كان في ذلك الوقت أحد شخصيات "الليكود" المركزية والأكثر أيديولوجية وتطرفاً، وكان نافس نتنياهو على رئاسة الحزب.

كحلون، الذي ظهر وكأنه ليكودي أصيل جاء من القاع الاجتماعي، شرقي ويميني ومشبع بالتقاليد اليهودية، معتد بنفسه ولا يشعر بالدونية، تظهر بوضوح لكنته الشرقية، ويتمتع بصفات شخصية؛ استطاع أن يجذب قاعدة "الليكود" الانتخابية، ففاز بالمكان الأول في قائمة "الليكود" الانتخابية التي تزعمها شارون أواخر 2002، فشغل منصب نائب رئيس الكنيست، وكان من بين الرافضين لخطة الانفصال عن قطاع غزة، وحاول شارون ضمه إليه عندما انشق عن "الليكود" وأسس "كاديما" سنة 2005 وعرض عليه منصب وزير لوزارة الاستيعاب، لكنه رفض العرض وأصبح مقرباً لنتنياهو.

وفي انتخابات "الليكود" التمهيدية (كانون الأول/ديسمبر 2005) حصل على المكانة الخامسة، وعندما شكل نتنياهو حكومته الثانية (فبراير 2006) شغل منصب وزير الاتصالات، ولاحقاً ضمت إليه وزارة الرفاه الاجتماعي.

اشتهر كحلون أكثر من أي شيء آخر بقدرته على إجراء إصلاحات اقتصادية قوية وجريئة تراعي مصالح السواد الأعظم من المجتمع؛ وأهم إصلاحاته التي لا تزال معروفة باسمه إصلاحات مجال الاتصالات، مما أدى إلى زيادة الجودة وانخفاض الأسعار بشكل كبير وزيادة التنافس والتحرر من الاحتكار وإدخال شركات جديدة إلى المنافسة، نجاحاته التنفيذية والإصلاحية جعلت نتنياهو يطلب من وزرائه أثناء احتجاجات صيف 2001 أن يكونوا كحلونيون، وكحلون كان الوحيد من بين وزراء "الليكود" الذي أعلن عن تضامنه مع مطالب المحتجين.

كحلون الذي كان كنزاً انتخابياً لليكود أعلن انسحابه من الحياة السياسية سنة 2013 عشية انتخابات الكنيست التاسعة عشرة، تاركاً انطباعاً لدى المراقبين أن سبب انسحابه يعود لنفوره من سياسات نتنياهو على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، ويعقب اليوم على ذلك بالقول إن "الليكود" لم يعد ذلك الإطار المناسب للإصلاحات الاقتصادية، وأن "الليكود" انحرف عن مساره.

كحلون يتهرب من توضيح رؤيته السياسية فيما يتعلق بالصراع ومستقبل التسوية، ويكتفي بعض الأقوال الغامضة التي تحاول أن تنتقد سياسات نتنياهو، التي أدت إلى ما يصفه بالحصار السياسي على إسرائيل، وفي نفس الوقت تتمسك بثوابت اليمين السياسية، فكحلون يفتخر ان يقدم نفسه كليكودي حقيقي يعرف كيف يحافظ على "أرض إسرائيل"، ويعرف كيف ومتى يصنع سلاماً.

وهو الذي رفض خطة الانفصال، ورفض القبول بمبدأ الدولة الفلسطينية، ورفض تجميد الاستيطان سنة 2009، وطالب بفرض السيادة الإسرائيلية على أراضي الضفة كعقاب للفلسطينيين على ذهابهم للأمم المتحدة لنيل عضوية الدولة المراقب، كما طالب بتبني توصيات القاضي المتطرف ادموند ليفي الخاصة بالاستيطان، حيث استنتج القاضي ان إسرائيل ليست دولة محتلة، وان المستوطنات تحظى بالشرعية القانونية، كما انه – أي كحلون – أعلن معارضته لتفكيك المستوطنات القائمة خارج التكتلات الاستيطانية، ولا نعتقد أنه تغير جوهرياً، وهو الذي لا زال يطالب في آخر تصريحاته بالعودة لثوابت "الليكود"، وهو عندما ينتقد سيطرة المتطرفين على "الليكود" فإن انتقاده لهم يجيء على خلفية إهمالهم للأجندة الاجتماعية لصالح السياسية والعنصرية العنيفة.