وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني، الاربعاء، رسالة لمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، وجاء فيها: في ذكرى ولادة سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ما أجمل أن نتوقف قليلا عند كلمة "محمد" هذا الاسم العظيم المبارك في الكون كله، "محمد" هذه الكلمة الطيبة المباركة من جوهرها يصاغ الكلم الطيب، وتولد الكلمات الحسان. وحسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أيها الأحبة، قال المفتي قباني:  أنه أنذر الناس بالوحي وبشرهم بالقرآن العظيم، ودلهم على التوحيد، وذكرهم بالله والدار الآخرة، وجاهد وهاجر وفتح وعلم وهدى، وأرشد ودل الناس على الخير، وبين لهم سبل الفوز في الحياة الدنيا، والنجاة عند الله في الآخرة، وأنه هدى الناس إلى صراط الله المستقيم، وأنه ترك الناس على الرسالة والمحجة البيضاء، ليلها كنهارها في النور والضياء، لا يزيغ عنها إلا هالك، وأنه ترك فيهم كتاب الله تعالى وهو القرآن الكريم، وسنته النبوية الشريفة، وأنه قادهم حتى كانوا خير أمة أخرجت للناس. وما تخلف المسلمون في تاريخهم، وما تخلفت أمة الإسلام، إلا يوم تخلفوا عن قواعد دينهم ورسالتهم وحسن صلتهم بالله ربهم في حياتهم، فهل ينهضون اليوم بالعلم والإيمان من جديد؟ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. إن ولادة نبينا وقدوتنا ورسول الله إلينا، محمد صلى الله عليه وسلم كانت الفيصل في تاريخنا الإنساني، للخروج من ظلمات الجاهلية الأولى إلى نور الحق والإيمان، بالإسلام الذي بعثه الله به النبي، وبالقرآن الذي أنزله الله عليه، ولذلك فإن تمسكنا بالقرآن العظيم، وبديننا وبشريعة الله فيه، وبسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو اليوم واجب علينا وإلى يوم الدين يوم القيامة والجزاء والحساب، وإن فريضة الله علينا تلزمنا بمواجهة جميع المحاولات الجديدة والمتكررة لتحييدنا عن التمسك بديننا، وبهدي الله تعالى في القرآن العظيم، تحت عناوين منمقة عدة، فالمسلمون لطالما كانوا روادا للمدنية والحضارة من خلال دينهم وآياته، ومن خلال حسن صلتهم بالله وتطبيق شريعته، وإن التصدي لهذه المشاريع التي تحاول استهداف مؤسساتنا الدينية اليوم بتعديل أساسياتها حينا، واستهداف مجتمعاتنا وعلاقاتنا الاجتماعية وأحوالها الشخصية حينا آخر، ليس خيارا لنا إسقاطه فقط، بل هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وواجب لازم على العلماء بالإسلام، أن يقودوا التصدي له، فهم قادة الأمة، وهم ورثة الأنبياء، وحملة الأمانة من بعدهم، وفي هؤلاء العلماء يقول الله تعالى في القرآن الكريم: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله، ذلك هو الفضل الكبير"، فاطر/32؛ والسابق بالخيرات في الآية الكريمة والله أعلم هم العلماء بالله؛ وليكن جميع المتربصين بشرعنا في أحوالنا الشخصية، وبمؤسساتنا الدينية على يقين، بأن العلماء بالله لن يتوانوا في كل حال وميدان، وسيهزمون كل محاولة في ذلك، فإن نصر الله مهيأ في كل حين. إن العقد الاجتماعي الذي نسجناه معا يوم تأسيس الجمهورية اللبنانية، لم يزل حتى يومنا هذا، وسيبقى إن شاء الله عهدا علينا جميعا، ولكننا ما زلنا نفشل في محاولاتنا لترجمته واقعا ملموسا بقيام الدولة المنيعة؛ ولا زلنا حتى يومنا هذا، نبحث ونفتش في أسباب الخلاف بيننا، ونجعل من ذلك سببا إضافيا لضعفنا، وإننا وإن تغنينا طويلا بانفرادنا بالديموقراطية في هذا المشرق العربي، غير أننا اليوم نرى في ساحات منطقتنا العربية رجالا تقدموا علينا، فناضلوا من أجل الحرية والديموقراطية فاكتسبوها حقا لهم، وأما نحن فلا زلنا نقبع أسرى لديموقراطية مزيفة، تحمل في طياتها أبشع عناوين الديكتاتورية المركبة، والممارسات الطائفية البغيضة، وسياسات الانتظار والرهان، فهنيئا لنا وللبنان بهذه الديمقراطية وممارساتها الديكتاتورية المركبة التي نعيش. إننا أيها اللبنانيون الشرفاء من كل طوائف لبنان، لن ننجح في المسير قدما بهذا الوطن الحبيب لبنان، نحو الدولة العادلة الحق، ما دامت ديكتاتوريات الزعماء والأحزاب تطغى في تكريس التقسيم والاختلاف بين أبناء هذا الوطن لبنان، حتى تحافظ على مكتسباتها وممالكها السياسية بالكذب والتكاذب على بعضها. إن نظام الحكم في لبنان هو نظام الديكتاتورية المركبة باسم الطوائف، ففي كل طائفة ديكتاتورية واحدة أو اثنتين، تحتكر صوت جميع أبنائها، ولا حياة لصوت واحد يصدح غيرها، وإننا نحن اللبنانيين، لن نتخلص من نظام الديكتاتورية المركبة باسم الطوائف، إلا بإعطاء الحق للجميع كل الجميع، في أن يتمثل في مجلس النواب، الذي هو مجلس الشعب اللبناني وصوته، الصوت والصوت الآخر كله مطلوب، من نفس الطائفة وفي نفس الدائرة، كل على قدر حجمه، تلك الأضداد في الرأي، التي لا تستفيد من بعضها، كما تستفيد كل من 8 و14 آذار اليوم من بعضهما في تكوين وحدة النظام الديكتاتوري المركب، الذي يولد الصراع الدائم بين المتناقضات، ولا يؤدي بنظامنا إلى التطور والتقدم والارتقاء. في ذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أدعو اللبنانيين أن يستيقظوا ويصلحوا أحوالهم قبل أن تنزل فيهم الفتنة الكبرى، ويفقدون فيها أنفسهم ووطنهم لبنان، وقبل أن يندموا حين لا ينفع الندم، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب، وهو رب العرش العظيم، وكل عام وأنتم بخير