السياسيّ الفلسطيني أحمد قريع

أكَّد عضو اللجنة التنفيذيَّة لمنظمة التحرير الفلسطينيَّة، رئيس طاقم المفاوضات النهائية السابق مع إسرائيل، وأحد مهندسي اتِّفاق "أوسلو" والاتفاقات الملحقة به، أحمد قريع أنَّ خيار المفاوضات الذي انتهجه الجانب الفلسطينيّ كخيار استراتيجيّ مع إسرائيل فشل، ووصل إلى طريق مسدود، مشدِّدًا على أنَّ خيار الصمود والمقاومة صمد، وأنَّ ذلك الصمود قد تجلَّى في مواجهة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزَّة.

وبيَّن قريع، في حديث إلى "فلسطين اليوم "، أنَّ "الصمود الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي صدم الاحتلال، الذي ما كان له أن يجرؤ على مثل هذا العدوان الذي ارتكب فيه المجازر، لولا التمزق العربيّ السائد في المنطقة، والصمت الدولي المريب، لاسيّما من طرف الإدارة الأميركيَّة، التي أثبتت أنها ما زالت غير معنية فعليًا لحل القضية الفلسطينيَّة، عبر حلّ عادل، على أساس الشرعيّة الدوليّة، ومبادرة السلام العربية، وبما لديها من نفوذ ومقدرة على ممارسة الضغط على إسرائيل".
وأشار قريع إلى أنَّ "الكيان الإسرائيلي لن يقف أمام الولايات المتحدة الأميركيَّة وإمكاناتها الكبيرة في ممارسة الضغوط عليه للتوصل لحل سياسي للقضية الفلسطينيَّة"، مؤكِّدًا أنَّ "واشنطن، وتل أبيب من خلفها، قد استغلتا في الأعوام الماضية الانقسام الفلسطيني الداخلي، والتشرذم العربي، للاندفاع نحو تنفيذ إسرائيل لمخططاتها القائمة بشأن حلِّ القضية الفلسطينيَّة من خلال فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وضمِّ القدس الكبرى، التي تصل إلى منطقة الأغوار شرقًا وبيت لحم جنوبًا ورام الله شمالًا، وتقسيم الضفة إلى (كنتونات ومعازل) تحت السيطرة الإسرائيلية".
وأبرز قريع أنَّ "المخطّطات الإسرائيلية ليست قدرًا للفلسطينيين، بل إنها تتحطم على صخرة الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني"، متمنيًا أن "يساهم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في استمراريّة وحدة الصف".
وشدّد قريع على أنَّ "المطالب الفلسطينيَّة بشأن رفع الحصار وفتح المعابر وإعادة إعمار مطار غزة وإنشاء ميناء في القطاع هي مطالب حياتية للشعب الفلسطيني، فضلاً عن أنّها التزامات على إسرائيل وفق ملاحق مفاوضات اتفاق أوسلو"، مؤكدًا "عدالة المطالب الفلسطينيَّة، التي هي في حقيقتها مطالب للشعب الفلسطيني بجميع شرائحه وقيادته كذلك".
وأشاد قريع بصمود المقاومة الفلسطينيَّة في مواجهة عدوان جيش الاحتلال الإسرائيلي، مشيرًا إلى أنَّ "هناك وجهين للعدوان، الأول هو جانب البطولة والصمود الفلسطيني الحقيقي، الذي لا يستطيع أي إنسان إلا أن يعتز ويفتخر به، وما تخلله من بسالة ومفاجآت قامت بها المقاومة، والجانب الآخر هو الجانب الإنسانيّ، وحجم الدمار الذي طال غزة، شعبًا وبنى تحتية ومساكن، وهذا ستكون له تكاليف ليست مادية فقط بل تكاليف إنسانية كذلك".
وفي شأن التكاليف غير الماديّة، لفت قريع إلى أنَّ "إسرائيل تعمدت في عدوانها الأخير إيقاع أكبر تدمير في قطاع غزة؛ لإشغال الفلسطينيين، لاسيّما أهالي قطاع غزة، في إعادة إعمار ما دمره، لأعوام عدة، فيما يتفرغ الاحتلال لتنفيذ مخططاته لتقسيم الضفة الغربية، بالطرق الالتفافية والكتل الاستيطانية، وضمّ القدس، التي تعيش معركة صامتة شرسة وخطيرة في الوقت الراهن، وتنفذ فيها مخططات التهويد والاستيلاء على المدينة وتهجير أهلها"، مبرزًا أنَّ "المخططات التهويدية وصلت إلى مرحلة خطيرة جدًّا، في ضوء الصمت والتمزق الذي يعيشه العالم العربي".
وأوضح أنَّ "المخطط الإسرائيلي، الذي لم يتغير، يتمثل في فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وتقطيع أوصال الضفة الغربية عبر المستوطنات أو الطرق الالتفافي"ة، مشيرًا إلى أنَّ "إسرائيل تنفذ وبصمت مطبق وبإجراءات متسارعة الحرب الثانية في القدس الآن، جراء تواصل الحرب على غزة"، ومبيّنًا أنّ "الحرب على القدس لا تحتاج لطائرات ولا لقذائف بل تحتاج إلى سلسلة من الإجراءات على صعيد تهويد الأقصى، وفرض التقسيم الزماني والمكاني فيه، إلى جانب تهجير أهالي المدينة والتضييق عليهم، بهدف إجبارهم على الهجرة ومغادرتها"، إلا أنه استطرد أنَّ "الشعب الفلسطيني صامد رغم كل تلك الإجراءات الاحتلالية والتهويدية".
وأردف "الزيارات التي ينفذها أعضاء في الكنيست والحكومة الإسرائيلية تحت حراسة شرطة وقوات الاحتلال تؤكّد أنَّ هناك مخططًا إسرائيليًّا رسميًّا لتقسيم المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، تحت شعارات توراتية، وذلك استغلالًا للأوضاع العربية الراهنة، التي تعتبرها سلطات الاحتلال ظروفًا مواتية لفرض التقسيم على الحرم القدسي الشريف، عبر تقييد دخول المصلين المسلمين في أوقات معينة، في حين يسمح للمستوطنين، وغلاة المتطرفين، بالدخول تحت الحراسة في أوقات أخرى، إضافة إلى جانب العمل على تهجير واقتلاع أهالي القدس من مدينتهم من خلال التضييق عليهم واعتقالهم والتنكيل بهم بشتى الوسائل".
واعتبر أنَّ "هذا عمل إرهابي ومحاولة لإحباط الناس ودفعهم لليأس إلا أن هذا يقابل بإصرار وتمسك وصمود المواطنين في أرضهم وفي وطنهم"، موضحًا أنَّ "معركة القدس، بعد معركة غزة، فتحت على مصراعيها، ولكن بأسلوب مختلف، هناك بالقتل والذبح والطيران وفي القدس المعركة بالإجراءات والتسلسل المتفجر في تفريغ المدينة من أهلها وتهويد المقدسات، وتغيير معالمها"، مؤكّدًا أنَّ "معركة القدس هي المعركة المقبلة والمعركة الخطيرة التي لا يجوز الصمت عنها".
وطالب قريع الفلسطينيين والعرب والمسلمين بملاحقة الاحتلال قضائيًا، واعتماد الوسائل كافة لفضح المخططات الإسرائيلية، التي تنفذ في القدس بغية تغيير معالمها العربية والإسلامية، مشيرًا إلى أنَّ "إسرائيل وصلت لمرحلة الحسم في معركة القدس التي بدأتها بهدم حي باب المغاربة عقب احتلال المدينة عام 1967"، مضيفًا أنّه "إذا أخلَّ بهذه المعادلة فأنا أخشى أن تنفذ إسرائيل مخططاتها بالتدريج، لاسيّما أنَّ الإسرائيليين يعتبرون الضفة الغربية منطقة متنازع عليها وليست محتلّة، ولذلك هم يزعمون أنّه إذا تمّ البناء الفلسطيني فيها سيتم البناء الإسرائيلي عبر المستوطنات".
ورأى قريع أنَّ "الربط ما بين المعركة الدائرة في غزة وما بين المعركة القائمة في القدس لضمها، هي المعادلة المقبلة، وإذا ما تم ضم القدس وفصل غزة فلن يكون هناك دولة فلسطينيَّة بمعنى الدولة".
وأشار قريع، الذي يعتبر أحد مهندسي اتفاق "أوسلو" الشهير، الذي أقيمت السلطة الفلسطينيَّة بموجبه، إلى أنَّ "خيار المفاوضات الذي انتهجته القيادة الفلسطينيَّة كخيار استراتيجي لتحقيق الاستقلال الفلسطيني قد أفشلته إسرائيل"، معتبرًا أنَّ "المفاوضات بعد عشرين عامًا من اتفاق أوسلو ثبت أنها ليست هي الآلية الصالحة بل هي مضيعة للوقت لغاية الآن".
وشدّد قريع على "ضرورة وجود موقف فلسطيني موحد لمواجهة إسرائيل ومخططاتها، عبر بلورة برنامج سياسي فلسطيني قابل للتطبيق، والقبول بحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/يونيو لعام 1967، الذي تتبناه فصائل منظمة التحرير الفلسطينيَّة، فضلاً عن وجود موقف عربي داعم".
وانتقد "الصمت السائد عربيًّا تجاه المجازر التي ترتكب في قطاع غزة، والقدس، وتوسع المستوطنات والطرق الالتفافية التي تتمدد في الضفة"، مبيّنًا أنّه "لا يجوز أن يظل الموقف العربي في دور المتفرج، رغم انشغال العالم العربي بأوضاعه الداخلية".
وتابع قريع أنَّ "الحق الفلسطيني في حاجة لموقف عربي إسلامي داعم بقوة، ويتحرك على مستوى كل المحافل الدولية"، مبرزًا أنه "للأسف فالموقف العربي لا يحسد عليه وهو موقف محزن"، مشيرًا إلى أنَّ "الأوضاع داخل بعض الدول العربية محزنة كذلك، وما يجري في العالم العربي من اقتتال داخلي يأكل من رصيد القضية الفلسطينيَّة بوصفها القضية الرئيسة والمركزية للعالم العربي".
واعتبر قريع، في ختام حديثه إلى "فلسطين اليوم "، أنَّ "ما يجري من اقتتال عربي هو نتيجة تدخلات إقليمية ودولية، تخدم في نهاية الأمر مصلحة إسرائيل، التي لا يمكن أن تستبعد بأنَّ لها يدًا في ما يجري من العالم العربي، من تغذية للطائفية والصراعات المذهبية، بما يغذي تفتيت المنطقة، وتجزئتها، التي تصبّ في مصلحة الاحتلال"، مبرزًا أنَّ "إسرائيل زُرِعت في المنطقة لاستكمال تفتيتها، وهي صاحبة مصلحة حتى لا تشعر بأنها عنصر غريب".