التجارة التقليدية بقوافل الحيوانات

لأجيال عدة كان التجار وقطعانهم المنوعة من البغال وثيران التيبيت بمثابة شريان الحياة للمناطق النائية النيبالية الواقعة في قلب جبال الهملايا المذهلة والخطيرة في كثير من الاحيان.

وقد تحدى التجار بشجاعة الطرقات الوعرة القديمة ناقلين الملح والحبوب وغيرها من السلع بين هضبة التيبيت المجاورة في الصين والمرتفعات الوسطية في النيبال، وهي مهنة استمرت لقرون.

الا ان خطة حكومة النيبال لشق طريق عند حدود المنطقة المعزولة تعني ان مصدر رزق التجار وطريقة عيشهم التقليدية ستذهب الى غير رجعة.

وستسمح الطريق للسيارات والشاحنات للمرة الاولى بنقل البضائع بعد ان كان ذلك محصورا بشكل شبه كامل بقطعان الحيوانات التي كانت تمثل قوافل التجار.

وقال التاجر راشهي كامي لوكالة فرانس برس خلال تحميله البضائع على ظهور البغال في مدينة سيميكوت الواقعة على ارتفاع حوالى ثلاثة الاف متر عن سطح البحر "اننا لا نذهب الى الاماكن التي فيها طرقات بل فقط الى المواقع التي لا يمكن الوصول اليها عبر الطرقات. لا يمكننا حتى التفكير في منافسة الشاحنات".

واضاف "عندما ستشق الطريق، سأواجه مشكلة كبيرة. لن اتمكن من العمل بعدها"، في اشارة الى انشطته التجارية مع المجموعات المقيمة في مقاطعة هوملا وجوارها في اقصى شمال غرب النيبال.

الا ان هذه الطريق الجديدة لم تدفع بالجميع الى اليأس. فالكثير من سكان هوملا البالغ عددهم 50 الفا والمقيمون في جبال الهملايا يأملون في ان يصبح العديد من السلع الباهظة حاليا متوافرا في القريب العاجل وباسعار بخسة.

وخلال موسم التجارة الذي يستمر بين اذار/مارس وتشرين الثاني/نوفمبر، اي في الفترة التي يكون فيها الطقس جميلا، يمضي كامي لياليه خارج المنزل على الدرب الجبلية. يتناوب الرعاة على النوم وكذلك على الانتباه الى النار او التنبه من خطر التعرض لهجمات النمور والذئاب والحيوانات المفترسة الأخرى.

وهذه المهنة التي سلط الضوء عليها فيلم "هملايا" المرشح لجائزة اوسكار سنة 1999، محفوفة بالمخاطر.

فقد هوى احد زملاء كامي في النهر وغرق العام الماضي، حتى ان كامي نفسه البالغ 38 عاما كاد يخسر حياته عندما علق في عاصفة ثلجية قرب الحدود النيبالية الصينية سنة 2012.

وقال هذا الرجل وهو والد لاربعة ابناء "عندها فكرت انه يتعين علي البحث عن عمل اخر لكسب قوت العيش لكن هذا الامر الوحيد الذي باستطاعتي فعله".

ويجاهد الكثير من التجار لعيش حياة كريمة في هذه المنطقة الفقيرة من العالم التي يستورد سكانها بعض السلع من الهند المجاورة او مناطق اخرى.

لكن قبل خمسين عاما، كانت هذه التجارة مزدهرة وارباحها مرتفعة كما ان الحيوانات المزينة باجراس ورداءات زاهية كانت منتشرة في هذه المناطق الجبلية المكسوة بالثلوج.

وقال توندهوب لاما البالغ 67 عاما لوكالة فرانس برس ان القوافل كانت شريان الحياة بالنسبة لهذه المنطقة الجبلية وتوفر لكل اسرة مقيمة فيها المواد الاولية من الارز والحبوب والملح وكل ما كانوا يحتاجونه.

وكان لاما لا يزال مراهقا عندما حذا حذو والده وجده وتمرس في هذه التجارة وقام بمقايضة الشعير المزروع محليا بالملح الوارد من التيبت الذي كان يعمد في وقت لاحق الى بيعه مقابل الأرز من التلال الوسطى في النيبال.

وقد كانت الرحلة الممتدة على اسبوعين الى المناطق الحدودية تكشف عالما شاسعا لم تصله الحداثة.

وقال لاما "لم يكن ثمة شيء هناك -- كنا نتفاوض مع رحل تيبيتيين مقيمين في خيم كانوا يجلبون لنا الملح والصوف لنبادله بالحبوب"، مضيفا "حينها كنا نحن الاغنياء".

وواجهت هذه التجارة اولى انتكاساتها الكبيرة عندما ادخلت النيبال امدادات مدعومة من الملح المدعم باليود من الهند في عام 1973، بهدف الحد من أمراض مثل تضخم الغدة الدرقية والقماءة.

وتلقى سوق الملح المستورد من التيبيت ضربة قوية الا ان التجار تكيفوا سريعا وبدأوا يستوردون ملابس رخيصة من الهند كانوا يبيعونها مقابل اموال نقدية داخل النيبال او يقايضونها مقابل الصوف والزبدة على الحدود الصينية.

وفي اشهر الوفرة، كانت عائلة لاما تجني ما يصل الى 20 الف روبية (201 دولار) -- ما يكفيهم لتحمل الشتاءات القاسية عندما تؤدي الثلوج المتساقطة الى قطع الممرات الجبلية المستخدمة في التجارة.

وصرح لاما "كانت الحياة مليئة بالتحديات لكنني كنت احب المغامرات والسفر".

وبعد اقل من عقد، سددت حكومة النيبال ضربة اخرى لكن هذه المرة من دون ان يتمكن التجار من استعادة عافيتهم.

فقد سمحت قوانين جديدة لحماية الغابات للسكان المحليين باستقاء ضرائب مرتفعة مقابل استخدام المراعي التقليدية لحيواناتهم.

وقال المشرع السابق في مقاطعة هوملا شهاكا باهادور لاما لوكالة فرانس برس ان "صناع القرار في كاتماندو لم يكترثوا يوما لما يعنيه ذلك بالنسبة لنا نحن سكان الجبال، لم يفكروا يوما بحاجاتنا".

وبعد الفشل في التقيد بمتطلبات القوانين الجديدة، انتهى الامر بالرعاة القدماء مثل توندهوب لاما بالاقلاع عن التجارة، وهو باع حيواناته من ثيران التيبت والاغنام والاحصنة للتوقف عن الاهتمام بمزرعته.

اما اليوم، فإن التجار القلائل المتبقين يقولون انه لم يعد امامهم اي خيارات للعمل لكنهم لا يزالون يسافرون في اتجاه الحدود الصينية، وقد اختفى الرحل التيبيتيون وتغيرت اوضاع التجارة.

ويباع على الحدود ملابس صينية رخيصة ومعدات زراعية ومشروبات.

ويجمع كثيرون على ان الحداثة يجب ان تطال المنطقة المحرومة الا انهم يأسفون لقرب اختفاء هذا النوع من التجارة التقليدية عبر قوافل الحيوانات.

وأكد المشرع السابق لاما ان "نمط حياتنا بدائي لدرجة اننا لا نستطيع الاستمرار في ظل الحياة العصرية"، مشيرا الى ان "المسألة ليست فقط مجرد نهاية اقتصاد تقليدي بل انه ذوبان ثقافة وانتهاء حقبة ويوم حزين بكثير من النواحي".