ذاكرة الشتات
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

ذاكرة الشتات

 فلسطين اليوم -

ذاكرة الشتات

بقلم :رجب أبو سرية

لعلها المصادفة وحدها التي جعلت من «المعركة الأخيرة»، التي يدور رحاها حول وداخل ما تبقى من مخيم اليرموك الفلسطيني، القريب من العاصمة السورية، دمشق، أن تحدث على بعد أيام فقط من حلول الذكرى السبعين لنكبة العام 1948، وإذا كان إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد ضاعف من مأساوية الذكرى، من حيث إن فصولها ما زالت قائمة بعد سبعين عاماً دون أن ينجح المجتمع الدولي في وضع حد لها، فإن تدمير ما تبقى من مخيم اليرموك يزيد من وقع المأساة ويعدد فصولها لتصبح متوالية لا تنتهي. 

المشكلة تزداد حين ندرك أن الموقف العقلاني بتحييد المخيم عن الحرب الداخلية في سورية، والتي اندلعت فصولها قبل سبع سنوات، لم يجد طريقه، ما أدى لتدمير معظم المخيم وتشريد الغالبية الساحقة من سكانه، إلى أقاصي الأرض، كذلك يجري الفصل الأخير في جعل المخيم أثراً بعد عين، والإخوة منشغلون بصراعهم حول كيفية إنهاء الانقسام الداخلي.

واليرموك ليس مخيماً عادياً أبداً، ولم يكن أكبر مخيمات سورية وحسب، بل كان يعد عاصمة الشتات، الذي احتضن قيادات الثورة الفلسطينية المعاصرة، وضم بين ترابه الكثير من شهدائها، كما أنه كان يعتبر بحق ذاكرة الشتات التي تجعل حلم العودة ماثلاً، طال الزمان أم قصر. 

في اليرموك كانت تحضر خارطة فلسطين بمدنها وقراها، وتتوزع أسماء المدن، من صفد إلى لوبية، ويتجمع الفلسطينيون محتفظين بذاكرتهم من أبناء الطيرة وصفد ولوبية، لتظهر معهم وفيهم كل سمات الشعب الفلسطيني، حيث لم تخل مناسبة إلا وكنت تشاهد الثوب الفلسطيني والعلم الفلسطيني والكوفية الفلسطينية، فيما المعارض والبوسترات تزين المحال والشوارع في كل مناسبة وطنية.
كان اليرموك مخيماً فلسطينياً حياً ونابضاً بامتياز، فلا يمر يوم إلا وتكون هناك فاعلية أو مناسبة ترى فيها فلسطين بكل ألقها وحضورها، لا تغيب لا عن بال ولا عن حاضر الأجيال الفلسطينية المتعاقبة. 
لذا، فإن يخرج اليوم، نحو نصف مليون فلسطيني من دول الجوار إلى المنافي البعيدة، فإن ذلك يجعل حتى من توقهم ومن فعلهم على طريق العودة أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً، وهذا ما كانت تحلم به إسرائيل، أي إبعاد اللاجئين عن حدودها، حتى لا يجيء يوم وتكون هناك مسيرة عودة، كما يحدث على حدودها مع قطاع غزة هذه الأيام. 

ثم أن يتم تدمير المخيم بالكامل أو مسحه عن وجه الأرض، فإن ذلك يجعل منه «وطناً داثراً» كما حدث مع قرانا الأربعمائة التي قامت إسرائيل بمسحها عن الوجود لإخفاء معالم جريمة اغتصاب فلسطين، وهذا يعني طي ذاكرة الشتات التي بقيت حافظة لحلم العودة.

يقيناً، إن أهل صفد ولوبية والطيرة وكل مدن وقرى شمال فلسطين الذي كانوا  قد لجؤوا إلى سورية وأقاموا في اليرموك «وطن العودة»، يحتفظون الآن في ذاكرتهم الحية بمعالم وشوارع المخيم، وكل ما حدث فيه من مناسبات على مدى أكثر من ستين عاماً، وإنهم لن ينسوها أبداً، لذا فلا بد من جمع تلك الذاكرة، للحفاظ على ذلك الجزء العزيز من الذاكرة الوطنية حياً، لأنه جزء مهم من تاريخ الشعب والثورة الفلسطينية. 

في مخيم اليرموك، نشأت عشرات الفرق المسرحية والعديد من الفرق الغنائية التي بثت الحماس في صدور الأجيال الشابة، وأقيمت عشرات المقار لفصائل الثورة، وتم إحياء آلاف المناسبات الوطنية، وفي مخيم اليرموك عرف جيل ما بعد نكبة العام 1948، أنه فلسطيني، وتعلم كيف يكون ويظل فلسطينياً، وفي مخيم اليرموك عرفت مئات الآلاف من الفلسطينيين، معنى الوحدة الوطنية، ومعنى التكافل الاجتماعي، وبين جنبات المخيم العظيم، ولد عشرات المبدعين الفلسطينيين من شعراء ومسرحيين وتشكيليين، وكانت مفردات المخيم حروف أغانيهم وإيقاع نبض قلوبهم.

لن تنسى الذاكرة الفلسطينية أبدا مخيم اليرموك، ومن أجل هذا لا بد من فعل مضاد لما يحدث حوله وفيه من دمار أخير، واليرموك لم يكن مثل بيروت على أي حال، ففي بيروت كان الوجود الفلسطيني عابراً واستثنائياً وضيفاً، أما في اليرموك فقد تم بعث فلسطين مجدداً بالسياسة والجغرافيا معاً، فقد كان مخيم اليرموك مجسماً لفلسطين على مقربة من دمشق، قلب العروبة النابض، وأقرب عواصم العرب إلى الوطن السليب.
في الذكرى السبعين للنكبة، وكرد على إعلان ترامب، لا بد من جعل المناسبة ورشة عمل، أو مؤتمراً لحق العودة واستمرار الحلم بها، لا بد من التفكير بإطلاق «متحف اليرموك»، للحفاظ على كل ما أنتجه التراث الحي لشعب رفض أن يموت وظل يحلم بالعودة، حتى لا نكرر ما حدث عام 1948، بالاحتفاظ بالذاكرة شفاهة وحسب.
هناك عشرات الأفلام التي صورت في مخيم اليرموك، وهناك عشرات المسرحيات التي أنتجت وعرضت في اليرموك، وآلاف الملصقات، وهناك القاعات التي شهدت جنباتها وقائع وأحداثاً وطنية غاية في الأهمية، وهناك شواهد قبور الشهداء، لا بد من توثيق كل هذا والاحتفاظ به، كجزء من التراث الوطني الفلسطيني، فالشعوب لا تندثر حين تنهزم عسكرياً وسياسياً، بل حين تتبدد ذاكرتها الثقافية، ولعل في بعث شعر المقاومة الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي للهوية الفلسطينية، لنا درس ما زال ماثلاً للعيان، وفي الاحتفاظ بما أنتجه اليرموك من ثقافة وفن فلسطيني، ما يضيف للتراث الثقافي الفلسطيني الكثير، من البوستر إلى فرق: العاشقين، بيسان، زغاريد، والأرض. 

المصدر : جريدة الأيام

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذاكرة الشتات ذاكرة الشتات



GMT 08:38 2020 السبت ,01 آب / أغسطس

لم تعد الحياة إلى طبيعتها بعد

GMT 07:33 2020 الثلاثاء ,21 تموز / يوليو

إسـرائـيـل دون نـتـنـيـاهـو

GMT 06:25 2020 الجمعة ,17 تموز / يوليو

بـيـت الـعـنـكـبـوت

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

عن فجوة "كورونا" من زاوية أخرى !

GMT 12:53 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

عن حكومة «كورونا» الإسرائيلية

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 15:43 2020 الأربعاء ,01 إبريل / نيسان

مناخا جيد على الرغم من بعض المعاكسات

GMT 09:49 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تجنب اتخاذ القرارات المصيرية أو الحاسمة

GMT 09:51 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

عمرو موسى يؤكّد أن العمل العربي المشترك لم يفشل

GMT 13:37 2020 الأحد ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

في «طعم البيوت» نباتات الزينة لمسة جمال في منزلك

GMT 11:18 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

"الكلاسيكية العصرية" عنوان منزل بيورك في مانهاتن

GMT 17:12 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

دنيا سمير غانم تهنئ نادية لطفي على التكريم وتعتذر لها

GMT 22:11 2016 الخميس ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الاهلي يصرف 100 ألف جنيه مكافأة إلى بطلة الكاراتيه "فاروق"

GMT 00:18 2017 الإثنين ,26 حزيران / يونيو

غيغز وغوارديولا يتنافسان في إحدى منافسات الغولف

GMT 16:07 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

اتحاد المرأة يبحث مع التعاون الألماني تعزيز التعاون المشترك

GMT 08:52 2016 الثلاثاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

"مكسيكو سيتي" إحدى أكثر المدن أمانًا في أميركا الجنوبية

GMT 21:28 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

كندة علوش تنشر صورة جديدة مع ابنتها حياة

GMT 10:28 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

خلافات داخل الزمالك حول مصير اللاعب المغربى حميد أحداد
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday