بيرني ساندرز  أيّ شجاعة
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

بيرني ساندرز .. أيّ شجاعة

 فلسطين اليوم -

بيرني ساندرز  أيّ شجاعة

عبد المجيد سويلم
بقلم : عبد المجيد سويلم

أشعر بالرضى أنني على مدار السنوات الثلاث أو الأربع الماضية كتبت عن المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية بيرني ساندرز، على صفحات «الأيام» لمرات عدة، باعتباره التعبير الأهم عن التحولات التي جرت وما زالت تجري في مواقف وسياسات الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة.بكل اطمئنان نستطيع اليوم وصف هذا الرجل بالشجاع الذي لا يخشى في الحقّ لومة لائم.لقد تحول هذا المرشح من «حالة» إلى ظاهرة، بدأت تحفر عميقاً في المجتمع الأميركي، وهي ظاهرة بدأت تتكشف ملامحها في السنوات الأخيرة، وربما في العقد الأخير. وهي ظاهرة تحول قطاعات واسعة من قاعدة الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، وخصوصاً الأجيال الشابة الجديدة من هذه القاعدة نحو «اليسار» بكل المعاني، وفي السياستين الداخلية والخارجية على حد سواء.

بل هناك من يعتقد ـ وأنا من ضمنهم ـ أن نجاح الرئيس السابق باراك اوباما لم يكن الا ثمرة من ثمرات هذا التحول، حتى وان كان ذلك التحول لم يتجاوز منطقة الوسط في ذلك الوقت.ظاهرة ساندرز بدأت بالنضج والتبلور اثناء سباق التنافس بينه وبين السيدة هيلاري كلينتون، حيث اعطته التقديرات في حينه ما يصل إلى 40% من دعم قواعد الحزب الديمقراطي في ذلك الوقت.أن يعلن مرشح للرئاسة في الولايات المتحدة بأنه اشتراكي، وبأنه مع مكتسبات العاملين، ويعيد الاعتبار لمقولات اقتصادية واجتماعية وثقافية كان يبدو وكأن الزمن قد عفا عليها، وأن يهاجم القيادة اليمينية في إسرائيل، ويصفها بالرجعية والعنصرية، وأن يرفض المشاركة في مؤتمر «ايباك»، بسبب انحيازها الصارخ لإسرائيل، فهذه ثورة حقيقية، ومتغيرة على أعلى درجات الأهمية، وتحول يرقى إلى مصاف التحولات الاستراتيجية لكامل مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبما يفوق حتى موجة مناهضة الحرب على فيتنام.

لم يكن ممكناً بطبيعة الحال أن تصل ظاهرة بيرني ساندرز إلى هذا المستوى من الوضوح لولا أن «الترامبية» قد وصلت الى ما وصلت اليه من التغول والتوحش على كل المستويات، ولولا ان هذه الترامبية انقلبت على كامل شروط السياسة الاميركية الداخلية والخارجية، ولولا أن الانحياز الاميركي لإسرائيل وصل إلى ما يفوق تصورات وأحلام اعتى عتاة القادة الإسرائيليين أنفسهم.ولم يكن ممكناً من زاوية رؤية السياقات التاريخية أن تتبلور الظاهرة «الساندرزية» بهذه القوة والسطوع، لولا ان ترامب كشف عن كامل اوراقه بالتحالف الوطيد مع المسيحية الصهيونية، ومع أكثر فئات المجتمع الأميركي رجعية وعنصرية، وبما يهدد لعقود قادمة الاستقرار والسلم والتعايش، بل وحتى الديمقراطية في الولايات المتحدة والعالم على حد سواء، ولولا ان الترامبية أصبحت تهدد المجتمع الدولي برمّته بتسلط القوى السياسية الأقرب إلى نسخة جديدة من فاشية جديدة، بدأت معالمها تتوضح من خلال تتنامي ظاهرة اليمين الرجعي في اوروبا وفي بعض البلدان الأخرى.

بكل المقاييس نحن في الواقع الفلسطيني أمام متغيرات استثنائية، وأمام تحديات خطيرة.فإذا عاد ترامب إلى سدة البيت البيت الأبيض، وعاد اليمين في اسرائيل وشكل تحالفُه الحكومةَ الجديدة في إسرائيل، يصعب الاستفادة من ظاهرة ساندرز لأسباب ظاهرة للعيان، ليس أقلها أن ساندرز متقدم في العمر، وهو يهودي لا تستطيع القوى اليمينية اتهامه باللاسامية، وليس سهلاً أن يبرز من بين صفوف الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الشخص الذي يوازيه شجاعةً وإقداماً، بل وحتى معرفة ومثابرة. أما إذا تمكن الحزب الديمقراطي من أن يحمل ساندرز إلى البيت الأبيض فإن الدولة العميقة في الولايات المتحدة ـ مهما كانت عميقة ـ لن تتمكن من إيقافه عند حدود بقاء الانحياز الاميركي المطلق لإسرائيل. اليمين المتطرف في إسرائيل من شدة تلهفه على عطايا ترامب وهداياه السخية له لم يدرك، ولم يفهم ان تحالف إسرائيل مع ترامب بهذه الصورة وبهذا القدر هو سلاح ذو حدّين.

ذلك ان نتنياهو ومنذ الولاية الثانية والانتخابات التي سبقتها للرئيس اوباما سلم كل أوراقه لليمين الرجعي في الولايات المتحدة. بل خاض نتنياهو معركة حياة او موت من اجل نجاح ترامب في الانتخابات الأميركية في العام 2016، ووضع كل أوراق اليمين الإسرائيلي ورهنها لصالح ترامب والترامبية، في واحدة من أكثر مغامرات نتنياهو تهوراً وخفة، مدفوعاً بحراجة مأزقه الخاص، وتخوفاً من ان ضياع فرصة من هذا التحالف قد تعني نهاية «الحلم» الصهيوني العنصري في تصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، والمباشرة بحسم الصراع مرةً وإلى الأبد، كما تخيل له ولكل مكونات تحالفه في إسرائيل.

وعندما ينحاز ترامب للمطالب الإسرائيلية، بل ويذهب الى ما هو أبعد منها في بعض الجوانب والمجالات، فإنه لا يفعل ذلك من وحي ضميره الأيديولوجي فقط، وإنما هو مدفوع ايضاً بمأزقه الخاص، وهو يعرف حق المعرفة ان بمقدور اليمين الإسرائيلي العنصري ان يلعب الدور الذي يحتاجه ترامب في المعركة الانتخابية القادمة للولاية الثانية للرئيس الأميركي.الحد الأول من سلاح هذا التحالف «أثمر» عن هدايا وعطايا ترامب لإسرائيل اليمينية والعنصرية.أما الحد الثاني لهذا السلاح فما زال برسم الانتخابات الأميركية القادمة في الولايات المتحدة، في شهر تشرين الثاني من هذا العام.

الحد الأول مؤقت وليس له ان يتحول الى واقع مكرس ونهائي، بحكم ما يلقى من مقاومة شديدة من الشعب الفلسطيني، وفي ظل ما هو متوقع ومنتظر من هذه المقاومة مع تقدم مسار فرضه على أرض الواقع، وفي ظل المعارضة الدولية العارمة ضد ما يسمى بصفقة القرن.أما الحد الثاني فهو تحول استراتيجي موضوعي، وهو شديد الصلة بصراع بين شرائح برجوازية في المجتمع الاميركي، افترقت عند حدود معينة حول مفهوم الهيمنة ودور الشرطي العالمي، وحول سبل ووسائل التعايش مع مكونات القطبية العالمية، وحول الكثير والكثير من مظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الولايات المتحدة وفي العالم.

لهذا كله فإن المعركة الانتخابية في الولايات المتحدة هي عملية تاريخية ومفصلية بالنسبة للشعب الفلسطيني، وكذلك بالنسبة للشعوب العربية، وهي معركة قاسية لأن النظام العربي في حقيقة الأمر يقف الى جانب الترامبية فيها، ولأن قدرة أطراف معينة من النظام العربي على التأثير عليها عبر الصوت العربي والإسلامي ما زالت كبيرة، في حين أن قدرة الشعب الفلسطيني على مثل هذا التأثير ربما تكون أقل مما نتصور مع أن فرص مثل هذه القدرة قد تضاعفت في السنوات الأخيرة، وربما أن الترامبية نفسها، والعنجهية الإسرائيلية ستساعدان معاً في تحشيد الكتلة الانتخابية العربية والإسلامية لصالح ساندرز او المرشح الديمقراطي بأكثر كثيراً مما تبدو عليه الأمور اليوم.
فلسطين في قلب الانتخابات الأميركية القادمة، وهذا بحد ذاته عنوان تحولات كبيرة وربما عنوان انتصار قادم.

قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ : 

عـبـثٌ زاد عـلى كـلّ حـدّ

معادلة الفشل والنجاح في الانتخابات الإسرائيلية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيرني ساندرز  أيّ شجاعة بيرني ساندرز  أيّ شجاعة



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 00:13 2020 الخميس ,09 تموز / يوليو

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيدة

GMT 14:19 2019 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 08:30 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"العقرب" في كانون الأول 2019

GMT 11:41 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 11:54 2018 السبت ,17 شباط / فبراير

حقائق مثيرة عن العضلة الأهم في جسم الإنسان

GMT 21:54 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

"خريف" يحصد جائزة أفضل عمل في مهرجان "المسرح العربي"

GMT 14:18 2018 السبت ,02 حزيران / يونيو

روسيا توصلنا لاتفاق يرضي جميع الأطراف

GMT 11:52 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

صلاح يصارع من أجل الفوز بالحذاء الذهبي

GMT 17:07 2017 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تامر حسني يبدأ تصوير الملصق الدعائي لبرنامج "ذا فويس كيدز"

GMT 13:49 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

كشف حقيقة صور هيفاء وهبي المفبركة على مواقع التواصل

GMT 06:09 2016 الجمعة ,02 كانون الأول / ديسمبر

مركبة "UFO 2.0" يخت مستقبلي بمثابة فيلا إنيقة

GMT 18:51 2016 السبت ,18 حزيران / يونيو

أسباب وفوائد كثيرة للشروع في الدراسات العليا

GMT 00:07 2017 الإثنين ,22 أيار / مايو

شارلوت موس تتألق في مهرجان كان الخيري

GMT 00:36 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

ريهام حجاج فتاة متشددة دينيًا في فيلم "مولانا"

GMT 02:22 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"سوثبي للمزادات" يعرض لوحة فريدة للفنانة كاهلو

GMT 05:33 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

Skylodge Adventure suite في بيرو يلائم محبي المغامرة

GMT 16:34 2017 الأربعاء ,08 شباط / فبراير

منة شلبي تعلن أن "نوارة" نقطة فاصلة في حياتها
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday