حسومات أخلاقية ومؤامرات
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

حسومات أخلاقية ومؤامرات..!!

 فلسطين اليوم -

حسومات أخلاقية ومؤامرات

حسن خضر
بقلم : حسن خضر

لا يحتاج الأمر إلى سوداوية من نوع خاص، ولا كلبية (cynicism)، للقول إن ما لا يحصى من العرب لا يفهم لماذا يحاكم الإسرائيليون نتنياهو بعد كل ما فعل من أجلهم. والواقع أن هذا ما لا يفهمه أنصار نتنياهو الإسرائيليون، أيضاً. وعلى سبيل الاحتياط، فلنقل إن الإسرائيليين ليسوا هم من يحاكم نتنياهو بل القضاء، والجهات الموكلة بإنفاذ القانون. وما القضاء والجهات الموكلة بإنفاذ القانون سوى تجسيد لفكرة بعينها في الإدارة والحكم. ومشكلة ما لا يحصى من العرب، وأنصار نتنياهو في إسرائيل، ومَنْ يشبهون هؤلاء وأولئك في أربعة أركان الأرض، هي مع الفكرة، نظاماً، وفلسفةً.

الفكرة أن الحاكم موظف يتقاضى راتبه من خزينة الدولة، ويصل إلى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع، ولا يبقى في سدة الحكم فترة تزيد عما نص عليه القانون، وأنه ليس فوق القضاء، ولا القانون (هذا اسمه الفصل بين السلطات) وأن إنجازاته العسكرية والسياسية لا تمنحه حصانة خاصة في نظر القانون.

للفكرة المعنية غواية خاصة في عالم اليوم (أي ما بعد الحرب العالمية الثانية) على الرغم من تعددية أنظمة الحكم في مناطق مختلفة. وما لا ينبغي أن يغيب عن الذهن أن كل ما عدا الديمقراطيات الليبرالية من أنظمة يعاني من حرج بشكل أو آخر، ويُبرر نفسه بخصوصية من نوع ما، وأن ثمة أنظمة تتعامل مع الديمقراطية بطريقة انتقائية، وكنوع من الديكور، لتفادي الحرج، والسمعة السيئة. والأخطر بين أصحاب الخصوصيات الدينية والقبلية والقومية مَنْ يسعى لتعميم خصوصيته بوصفها النموذج البديل.

وإذا استمر صعود اليمين الديني والقومي، كما نرى ونسمع، سيصبح استثناء الخصوصيات قاعدة، وما عداها استثناء. فمَنْ قال إن «الإسلام» أو «اليهودية» أو «المسيحية» أو «الهندوسية» أو «البوذية» لا تنطوي على مفاهيم وقيم وتجارب تاريخية، ومرافعات فقهية ولاهوتية، ونظريات سياسية، تعيد العالم إلى ما قبل «كارثة» نزع السحر عنه (نزع السحر بلغة ماكس فيبر، إذا شئت)، وتنجح في تحريره من الرأسمالية،

والانهيار الأخلاقي، والتحلل الجنسي، وتعيد للإنسان اعتباره، وللطبيعة احترامها!!
ستتضح، بعد قليل، ضرورة التذكير بما تقدّم. المهم أن العاجزين عن فهم لماذا يحاكم الإسرائيليون (أو القضاء) نتنياهو بعد كل ما فعل من أجلهم، أو كيف تجرؤ الشرطة على التحقيق مع حاكم، ويجرؤ القضاء على وضعه في قفص الاتهام، يصدرون في أمر كهذا عن فكرة مضادة، فالحاكم يستحق قدراً من الحسومات الأخلاقية، خاصة إذا كانت إنجازاته كبيرة.

وهذه، على الأرجح، معضلة وجودية بالنسبة للعربي، الذي يعيش على وجه خاص في بلدان يُعامل الحاكم فيها كولي للأمر، ويتجلى منحه حسومات أخلاقية كاستراتيجية للبقاء على قيد الحياة.
وهناك فئة ثانية، وأغلب هؤلاء من أنصار نتنياهو في إسرائيل، تعتقد أن المحاكمة جزء من مؤامرة حاكها الخصوم السياسيون في المعارضة، وأن هؤلاء ليسوا أعداء للحاكم وحسب، بل وللشعب والوطن والدولة، أيضاً. القاسم المشترك بين مختلف الفئات: زعزعة فكرة الحاكم كموظف، وزعزعة قابليته للفساد، وإمكانية محاكمته والحكم عليه.

وعلى الرغم من الاختلاف البيّن بين الديمقراطية الليبرالية في الولايات المتحدة، والديمقراطية الإثنية في إسرائيل، كلتاهما في أزمة: ترامب الأميركي يتهم الصحافة، و»الدولة العميقة» بالتآمر عليه، ونتنياهو الإسرائيلي يتهم الشرطة، والقضاء، وخصومه السياسيين بالتآمر عليه. وكلاهما يحاول التدليل على صدقيته، ويتصدى لمعارضيه، بحيل وألاعيب تقوّض ما استقرت عليه قواعد اللعبة الديمقراطية. ويؤمن أنصار هذا وذاك بأهمية وضرورة الحسومات الأخلاقية، وهم من مستهلكي نظرية المؤامرة، أيضاً.

وثمة ما يبرر التذكير، هنا، أن دافع الإيمان بأهمية وضرورة الحسومات الأخلاقية، التي يستحقها الحاكم، يصدر عن فلسفة مضادة في الحكم، ودفاعاً عمّا يتجلى كمصلحة أعلى قيمة من النزاهة الأخلاقية، والضوابط القانونية والدستورية، فأنصار ترامب من المسيحيين الإنجيليين، مثلاً، لا يخفى عليهم تعارض سيرة ومسيرة المذكور مع القيم الدينية والأخلاقية المحافظة، ولكن هذه أشياء قليلة الأهمية إذا ما قورنت باحتمال أن يكون الله قد اختاره لإعادة أميركا إلى الطريق القويم، وتقريب يوم الخلاص.

وبالقدر نفسه قد يتساءل أنصار نتنياهو: ما قيمة بضعة ملايين أنفقتها الدولة، دون وجه حق، عليه وعلى عائلته، أو بضعة ملايين حصل عليها بطريقة غير مشروعة كهدايا مقابل خدمات، إذا ما قورنت بالرخاء الاقتصادي، والصعود المدهش لمكانة إسرائيل في العالم، واستكمال مشروع «أرض إسرائيل»، وتطبيع العلاقة مع العرب، وتصفية المسألة الفلسطينية؟ ولماذا لا يكون في التحقيق معه، واتهامه ما ينم عن عداء دفين لمشروع الدولة الإسرائيلية نفسها، وللصهيونية كبوصلة للمشروع.
على أي حال، في الحسومات الأخلاقية، أو نظريات المؤامرة، وغالبا ما يتضافر الأمران، ما يكفي لإضفاء نوستالجيا موجعة على محاولات (شعبوية بلغة هذه الأيام) للعودة إلى، واستعادة، عالم لم ينزع عنه السحر، وفي كليهما، أيضاً، من المواد القابلة للاشتعال ما يكفي لإضعاف جهاز المناعة الذاتية، وتصفية النظام الديمقراطي، وتقويض بنية الدولة. وبقدر ما أرى: ترامب يسحب أميركا إلى القاع. ونتنياهو، الذي يلعب بالبيضة والحجر، ويعد الإسرائيليين بالكل، قد يكون المُخلّص الذي يضعهم على طريق ضياع الكل.

قد يهمك أيضا : 

تأملات في عالم مُتغيّر (5)

   تأملات في عالم مُتغيّر (6)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حسومات أخلاقية ومؤامرات حسومات أخلاقية ومؤامرات



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 18:29 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

أسماك الوطواط العملاقة تغزو شواطئ غزة

GMT 09:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 09:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تتحدى من يشكك فيك وتذهب بعيداً في إنجازاتك

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 04:57 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

الخلاف بين ترامب و"نيويورك تايمز" يسبب البلبلة

GMT 06:44 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

هل الرياضة تحسن قدرة الأطفال على التفكير؟

GMT 05:02 2017 الأحد ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على مقادير وطريقة إعداد "كعكة اللبن"

GMT 02:11 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

تجنب تناول السكريات والموز يقي من الحموضة

GMT 10:58 2017 الثلاثاء ,28 شباط / فبراير

اكتشاف محاولة لتهريب قطع أثرية مصرية إلى العراق
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday