د. يوسف رزقة
بينما اشتعل الحديث بين الفرقاء في الجلسة على أزمة الكهرباء وموجة الحر الشديد القادمة لغزة من شبه الجزيرة الهندية كما تقول الأرصاد الجوية، سال سائل من الحضور باستهجان : ( ما نوع القيادة الفلسطينية التي تتحكم في قرار السلطة الفلسطينية؟! ) كان السؤال بسيطا ولكن الحضور أبدوا عجزا في في الأجابة. قيادة السلطة عندنا في رام الله لا تقبل التعريف، ومن المستحيل وصفها بأوصاف معروفة أو متفق عليها، فهي فوق الوصف وفوق التعريف تماما كمشكلة كهرباء غزة التي لا تقبل تعريفا ولا وصفا، ولا حلا ؟! .
الحديث في كهرباء غزة هو حديث من يدخل في متاهة معقدة لها مخرج واحد ضيق لا يبين عن نفسه، وقد تلسعك حرارة الهند بلهيبها (فتزرب ) عرقا وزفرا وزنخا، من ضيق الطريق وطول المتاهة، التي تحمل علامات (صنع في المقاطعة في رام الله؟!). المقاطعة في رام الله تستولي على مال الشعب الفلسطيني ومقدراته وضرائبه وما يأتيه من منح وقروض ميسرة، ولا ترسل منها لغزة الجريحة غير النذر اليسير بعد أن تُدخل سكانها في متاهات مضلة، وامتحانات مذلة، واتهامات معيبة.
لماذا تتمتع الضفة الغربية بكهرباء دائمة على مساحة أربع وعشرين ساعة في اليوم والليلة بلا انقطاع؟! ولماذا لا تعاني مصانع رام الله ونابلس والخليل من انقطاع الكهرباء، وأصحابها لا يحتاجون مولدات كهرباء بديلة؟! بينما غدت المولدات الكهربائية البديلة هي الأساس والأصل في غزة ؟! . أصحاب مزارع الدجاج البياض واللاحم فقدوا جلّ ما عندهم في مزارعهم هذا الشهر في ظل موجة الحرّ الهندية الأخيرة لأنهم لم يجدوا كهرباء لتبريد مزارعهم واستبقاء صيصانهم على قيد الحياة.
هذه القيادة التي احتكرت قرار السلطة وتسلطت على الشعب بدون انتخابات حرة ونزيهة، تصرّ على تحصيل ضريبة ( البلو) على كل لتر سولار مقدم لشركة الكهرباء؟! قيادة السلطة وحكومة التوافق الفاشلة تصر على تكبير ميزانيتها بجمع ضرائب وقود باهظة من قطاع غزة الذي يعاني من بطالة تزيد على ٤٠٪ ، ومتوسط دخل الموظف لا يزيد عن ألف شيكل في الشهر. و(٥٠٪) من الأسر تحت خط الفقر.
هذه القيادة التي لا تقرأ الواقع ولا تقدر الحال، وتعاقب مليوني مواطن هم سكان غزة، من خلال صناعة الأزمات له، وإدخاله في متاهات مضلة لتركيعه، هي قيادة غاشمة لا تقرأ التاريخ، ولا تعتبره بمن سبقها. ما وجه الحق أو العدل في إصرار السلطة والحكومة على الحصول على ( دولار) كامل ضريبة عن كل لتر سولار يدخل لمحطة الكهرباء، التي تحتاج يوميا إلى (٥٠٠) لتر، لتزويد المواطنين بالكهرباء لمدة ثمان ساعات فقط؟!
كل المواطنين يرون أنه ليس في عمل السلطة والحكومة هذا دين، ولا حق، ولا منطق، لأن مجتمع غزة مجتمع بطالة، ومحاصر، وفقير، ومن واجبات السلطة عندما تكون وطنية أن تخفف عنه، وأن تخفض أسعار حاجياته اليومية، وأن تضيء بيته، ومستشفياته، وأن تحرك عجلة مصنفان عه، وأن تحمي صيصانه من حرّ الهند ؟!.
هذا النوع من السلطات والحكومات لا تعريف لها، ولا وصف لها، حتى وإن أضافت (الوطنية ) لعنوانها، فالوطنية ليست دعوى كلامية ، الوطنية أن يتساوى مواطن الضفة وغزة في الكهرباء، لا سيما عند كوارث الحرّ القادم فجأة من مناطق استوائية لم يعتد الناس على التعامل معها. الوطنية أن يتساوى دجاج غزة بما في رام الله. هذا هو مفهوم الوطنية حين تكون القيادة نازلة ومشدودة إلى الأرض ، أو إلى الدولار.