د.فايز ابو شمالة
عندما تركتم غزة وحدها تواجه العدو المحتل تذرعتم بالانقسام، وقلتم: "إن غزة ناشز، خرجت عن طاعة ولي الأمر، ولا تحترم رأي الجماعة، فلا نفقة لها، ولن نلقي بأنفسنا إلى التهلكة خدمة لأجندتها الخارجية"، وقلتم: "على غزة أن تعود إلى حضن الشرعية راضية مرضية قبل أن نحنَّ عليها، ونترفق بها، ونحسنَ عشرتها."
فماذا تقولون اليوم بشأن القدس التي تصير أمام أعينكم يهودية؟!، ماذا تقولون بشأن المسجد الأقصى الذي يستباح، ويقسم زمنيًّا بين اليهود والمسلمين؟!، ماذا ستقولون عن القدس التي ما زالت على ذمتكم، ولم تخرج عن طاعتكم؟!، لماذا تتركونها وحدها تمامًا مثلما تركتم غزة؟!، لماذا لم تثوروا لسكان القدس وهم يرتقون شهداء، تمامًا كما لم تثوروا لسكان غزة، وهم يرتقون شهداء؟!، لماذا تخاذلتم عن نصرة القدس، تمامًا كما تخاذلتم عن نصرة غزة؟!، لماذا _يا قيادتنا التاريخية_ لا تسمحون لمسيرة واحدة بالتحرك في رام الله ونابلس وجنين والخليل لدعم مدينة القدس، ونصرة سكانها الذين يحاربون وحدهم اليهودية العالمية والصهيونية والكيان العبري؟!
لقد فضحت القدس سياستكم، وصارت أم المدائن أم الفضائح لمواقفكم، فكنتم قبل سنوات تلومون الأردن ومصر وسوريا على عدم غضبهم لما يحدث في فلسطين، قبل سنوات كنتم تتهمون العرب بالتقاعس عن نصرة المنتفضين في الضفة الغربية وغزة، قبل سنوات كنتم تتهمون القادة العرب بالجبن، والخوف على كرسي الحكم أكثر من خوفهم على المسجد الأقصى، فماذا تقول الشعوب العربية عنكم اليوم، وأنتم تتركون القدس وحدها تقاتل؟!، بم نصفكم اليوم وأنتم تطاردون بالرصاص كل فتى فلسطيني يثور غضبًا للقدس، وتلوحون بالعصا على ظهر كل فتاة فلسطينية احترقت دمعتها على المسجد الأقصى، فهتفت: "فلسطين عربية، والقدس عربية، وغزة عربية، ولن نرضى أن تظل الضفة الغربية تحت السيطرة اليهودية"؟!
الذي يحدث في القدس خطير جدًّا، والخطورة لا تقف عند حد الممارسات اليهودية المتطرفة ضد المدينة المقدسة، الخطورة تتجسد في حالة الدعم المعنوي للمتطرفين اليهود الذين أمسوا مطمئنين إلى ردة الفعل العربية، وباتوا هانئين في مستوطنات الضفة الغربية، وأصبحوا واثقين في قداسة التنسيق الأمني، وأضحوا آمنين على أنفسهم من حجر فلسطيني صغير قد يقذفه طفل على رأس متطرف يهودي خطير.
القدس تنتظر من السلطة الفلسطينية موقفًا وطنيًّا صادقًا وصارمًا ومصيريًّا، القدس لا تنفعها الشعارات الزائفة، ولا ينقذها من مخالب اليهود دجل الشجب والإدانة والاستنكار.