من هتلر والإنجيل إلى داعش والقرآن
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

من هتلر والإنجيل إلى "داعش" والقرآن

 فلسطين اليوم -

من هتلر والإنجيل إلى داعش والقرآن

بقلم : خالد الحروب

الهوس والتفاهة اللذان يمتاز بهما خطاب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب تجاه شؤون كثيرة منها «الإسلام الراديكالي» سوف يسرّعان في جرّ العالم نحو حقبة جديدة من «صدام الأديان والأصوليات». تاريخ البشر، قديماً وحديثاً، حافل بحقب دموية تسبب فيها قادة رعناء مهووسون بخطابات دينية أو شعبوية أو شوفينية، يقودون شعوبهم والعالم إلى بحار من الدماء. عندما يتحدث زعيم شعبوي لقوة عظمى وصل إلى الحكم على رافعة الشعارات الغرائزية التي تمجد الأنا الجماعية وتطهرها وتشيطن الآخر وتجرمه، فعلى العالم توقع الأسوأ.

تاريخ البشر يقول لنا، أيضاً، أن استغلال الدين وتوظيفه وتحويره هي الطريقة الأقصر للوصول إلى قلوب عامة الناس وتثويرهم وحشدهم كالقطيع وراء الزعيم أو الحزب أو الدولة التي تقوم بالتوظيف. خطورة خطاب ترامب لا تحتاج إلى نقاش مُعمق، وبعض من تلك الخطورة يتأتى من تراكم إدراك غربي وغير غربي خلال العقود القليلة الماضية يحصر العنف الديني واستغلال الدين في المسلمين والإسلام، بسبب صعود التنظيمات الأصولية الإسلاموية التي تنسب نفسها للدين والجهاد، وآخر تمظهراتها «القاعدة» و «داعش».

 هذا الإدراك الغربي المُختزل والتسطيحي يخلق البيئة المناسبة لتبني سياسات عنصرية وفجة وحربية أيضاً ضد الآخر. على ذلك، من الضروري معرفياً وسياسياً التوقف ملياً وموضعة العنف المنسوب للدين في سياقاته التاريخية من ناحية، وإدراك اتساع نطاق تطبيقاته لتشمل معظم إن لم يكن كل الأديان والثقافات. 

لا تقدم هذه السطور أية مرافعة اعتذارية للعنف الإسلاموي الذي يستخدم الدين من قريب أو بعيد، بل تدينه بلا تردد ومن دون «لكن»، بيد أنها توسع النقاش وتوجه الاتهام إلى الغرب أيضاً حيث تاريخه القديم والقروسطي والحديث حافل باستغلال الدين ويفيض بالعنف الديني الدموي. لا يحق لترامب ولا لأي زعيم غربي أن يتغاضى عن تواريخ عريضة في إبادة الشعوب الأصلية سواء في القارة الأميركية نفسها، الشمالية والجنوبية، وكذا في بقية مناطق العالم حيث استخدم الدين لمصلحة سياسة الاستعمار والاستئصال وعلى نطاق واسع.

في كتاب كلاسيكي رصين صدر أواخر القرن الماضي بعنوان «الإنجيل والاستعمار»، The Bible and Colonialism تصدى بروفسور الإلهيات مايكل بريور في جامعة ساري آنذاك إلى العلاقة الوثيقة بين العديد من المشروعات الاستعمارية الغربية والإنجيل. درس بعمق المسوغات الدينية التي ساقها الاستعمار الأبيض لجنوب أفريقيا ولأميركا اللاتينية ولفلسطين، وأبرز آليات تبرير العنف بحدوده القصوى ضد الشعوب الأخرى. وفق المنظور الديني المُحور والمُؤول، فإن تلك الشعوب غير المسيحية، سواء كانت الهنود الحمر في أميركا والسكان الأصليين في أميركا اللاتينية ونظائرهم في أفريقيا بطولها وعرضها، ثم العرب في فلسطين، كانت هذه الشعوب محكومة بالخطايا الأبدية، ولذا كان عليها أن تخضع لخيارات القوة المسيحية البيضاء: إما أن تتطهر عبر التبعية للاستعمار، وإما أن تواجه خيار الإبادة. وروجت الخطابات المرافقة للقوة الباطشة آنذاك بأن الاستعمار الغربي كان تعبيراً عن انتصار الرب ورغبته في توسيع مملكته، وكل من يواجه هذه الرغبة عليه تحمل النتائج الإبادية.

وإذا كانت الكتب والدراسات التي تعرضت للنازية وهتلر والهولوكوست تكاد لم تُبق شيئاً إلا ونبشته وفككت جوانبه، إلا أن مسألتَي الجذر الديني للفكر النازي واستخدام هتلر الإنجيل ظلتا من أقل الجوانب بحثاً. وهذا النقص هو ما دفع راي كومفورت Ray Comfort للعودة إلى تاريخ هتلر وفكره وتأويلاته وتوظيفه الدينَ ثم إصدار كتابه المهم العام الماضي بعنوان «هتلر والرب والإنجيل»: Hitler, God and the Bible. الفكرة الأساسية التي يطرحها كومفورت في كتابه ويثبتها عبر العودة إلى حياة وأفكار وخطابات وممارسات هتلر هي أنه من دون الاعتماد على المسيحية والتأويل الديني وليّ أعناق النصوص واستغلالها ما كان لهتلر ولا لدولة الرايخ أن يصلا إلى ما وصلا إليه، أو أن يسوغا إبادة ستة ملايين يهودي في المحرقة. يجادل كومفورت بأن هتلر كان مقتنعاً بأن ما يقوم به من «غربلة» للجنس البشري تفرض ضرورة التخلص من الأجناس الرديئة، وترقية «الجنس الآري الأبيض» فوق الجميع، هو ترجمة لإرادة الرب وأن تلك الغربلة مسندة بمسوغات إنجيلية. يحتاج الكتاب إلى وقفة خاصة به، لكن على الأقل خلاصته المدهشة يجب أن تخفف من غرور الخطاب الغربي المعاصر الذي يحصر ممارسة توظيف الدين لمصلحة العنف بالمسلمين.

لنتأمل الأيام الأولى من حكم ترامب والقرارات التي وقعها كي تعطينا فكرة أولية حول نزعة الاستئصال والإبادة تجاه الأخر، سواء أداخلياً مثل إعلان حرب ضد فقراء أميركا عبر إلغاء نظام التأمين الصحي (اوباما كير) الذي استهدف الشرائح الفقيرة، كما التضييق على المهاجرين غير البيض، مسلمين وغير مسلمين، أو خارجياً مثل إقامة سور يفصل الولايات المتحدة عن المكسيك وإجبار هذه الأخيرة على تحمل نفقاته وغير ذلك كثير. 

ليس العنف والتطرف وتوظيف الدين حكراً على المتطرفين في بلدان العالم العربي والإسلامي، وهذا مرة أخرى ليس قبولاً بهم ولا دفاعاً عن إجرامهم. فهؤلاء يبدون وكأنهم هواة مقابل ما تقدمه لنا التجربة التاريخية حول نفس الممارسة وتوظيف الدين سواء في التاريخ الأوروبي والغربي القديم والحديث، وكما تمثل أيضاً خلال القرن الماضي في التجربة اليهودية الصهيونية التي بررت التطهير العرقي الذي شنته ضد الفلسطينيين بمسوغات دينية وتوراتية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من هتلر والإنجيل إلى داعش والقرآن من هتلر والإنجيل إلى داعش والقرآن



GMT 23:29 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الحاجة كريستينا ... وحرب «العم» بلفور

GMT 00:51 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الوزير اليهودي المُنصف الذي عارض وعد بلفور

GMT 07:27 2017 الثلاثاء ,09 أيار / مايو

الحداثة والعلم من منظور الصهيونية في فلسطين

GMT 05:27 2017 الأحد ,09 إبريل / نيسان

انتفاء المثقف الخارق...!

GMT 05:19 2017 الأحد ,09 إبريل / نيسان

انتفاء المثقف الخارق...!

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 08:44 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الجدي" في كانون الأول 2019

GMT 13:39 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتعد عن بعض الوصوليين المستفيدين من أوضاعك

GMT 09:32 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تشعر بالإرهاق وتدرك أن الحلول يجب أن تأتي من داخلك

GMT 07:42 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تحتاج إلى الانتهاء من العديد من الأمور اليوم

GMT 05:35 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الملكة رانيا وبيلا حديد بسترة واحدة على "إنستغرام"

GMT 21:07 2015 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

شوارع بيروت تغرق في النفايات بسبب الامطار الغزيرة

GMT 07:21 2014 الجمعة ,31 كانون الثاني / يناير

زينة تلجأ إلى تحليل "DNA" لإثبات النسب لأحمد عز

GMT 09:17 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

«حماس» تتوارى عن الأنظار

GMT 00:10 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

عمار سلمان يعود لتدريب أهلي الخليل

GMT 23:49 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

شباب رفح يصارع القادسية والشجاعية يتحدى الهلال
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday