لماذا يقف العرب ضد انفصال اسكتلندا عن بريطانيا
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

لماذا يقف العرب ضد انفصال اسكتلندا عن بريطانيا؟

 فلسطين اليوم -

لماذا يقف العرب ضد انفصال اسكتلندا عن بريطانيا

د. خالد الحروب

سألت أصدقاء وزملاء وطلبة في الجامعات ايضا وفي اكثر من بلد عربي خلال الاشهر الماضية عن رأيهم في مسألة انفصال اسكتلندا عن بريطانيا، وهي التي سيحسمها الاستفتاء التاريخي يوم الخميس 18 ايلول القادم.
المثير واللافت للانتباه ان الغالبية الكاسحة لمن سألتهم حتى هذه اللحظة يؤيدون بقاء اسكتلندا مع المملكة المتحدة.
وعندما استفسر عن الأسباب التي تبرر هذا التأييد لا تُطرح حجج تفصيلية أو تشي بأن صاحب الرأي على اطلاع ولو معقولاً بالجوانب المختلفة سواء للرأي الداعم للانفصال أم المؤيد له.
لا أزعم هنا بأن سؤالي العابر هنا وهناك كان مسحاً علميا ولا حتى قريبا من ذلك، ولم استطع تفسير ذلك إلا بتأكيد الانطباع الذي أعتقده وهو وجود مزاج عربي واسع وعميق ضد فكرة الانفصال ومُنحاز لفكرة الوحدة بشكل شبه غريزي، وهو الامر الجدير بالتأمل.
فعلى الرغم من الانهيارات المتتالية للمشروع القومي العربي على المستوى السياسي والإحباطات التي تعرض لها، والاستغلال الايديولوجي للشعارات القومية من قبل أنظمة دكتاتورية شوهته، إلا ان فكرة الوحدة العربية، وفكرة الانتماء إلى فضاء ثقافي واحد لا تزال متجذرة في الوجدان العربي.
لن يُعجب هذا الكلام كثيرين نعوا الفكرة العربية واعلنوا موتها مراراً، لكنها في ضوء التذري والتفسخ الطائفي والديني والإثني والسياسي الذي تواجهه المنطقة تثبت بأنها الفكرة الاكثر صلابة وديمومة.
صحيح ان الايديولوجيا القومية عانت من امراض عديدة، كالتوحيد القسري، وغياب الديموقراطية، واقصاء الاقليات، لكن ذلك لم يؤثر في جوهر التأييد العميق للفكرة.
وصحيح ان ليس ثمة تصور مطروح لترجمتها سياسيا وعملياتياً على الارض في الوقت الحاضر، لكن ذلك يؤدي إلى شطبها من جدول الخيارات المستقبلية بدليل تمظهراتها القوية في فضاءات الثقافة والإعلام والتواصل واللغة.
في تلك الحوارات العابرة مع زملاء واصدقاء وطلبة حول المسألة الاسكتلندية كنت اورد حجج مؤيدي الانفصال سواء تلك الاقتصادية او الهوياتية وذات العلاقة بالشعور الوطني الاسكتلندي المتأصل ضد الملكية، وضد سيطرة انكلترا التاريخية وبطشها بمن جاورها.
كما كنت اسحب الحجج إلى مساحة اخرى حيث موقف "بريطانيا العظمى" السلبي والمدمر في احيان كثيرة إزاء القضايا العربية، وأن انسلاخ اسكتلندا عن التاج البريطاني يحررها سياسيا من المواقف البريطانية، وذلك في الغالب الاعم سيخدم القضايا العربية.
فالمزاج الاسكتلندي قريب من الايرلندي في تأييده لقضية فلسطين وفي نزعته المعادية للسياسة الاميركية التوسعية هنا وهناك.
وان تقلص بريطانيا جغرافيا وديموغرافيا سوف يؤدي الى تقلص دورها ونفوذها العالمي الذي كان في الغالب الاعم على الضد من المصلحة العربية.
ومع ذلك بالكاد كانت هذه الحجج تؤثر في الموقف الاعرض وهو غير المؤيد للانفصال، والمائل بوضوح لفكرة الوحدة.
ثمة تقديرات ربما تكون غير دقيقة بوجود حوالي 700 الف عربي يعيشون في اسكتلندا ويحملون الجنسية البريطانية ويحق لهم التصويت يوم الخميس القادم.
والبعض يرى ان هذا العدد كفيل بأن يرجح كفة النتيجة إن مالت اغلبيته الكاسحة إلى رأي معين وصوتت باتجاه الانفصال أو استمرار الوحدة.
ربما كان في هذه التقديرات بعض المبالغات لكن سيكون من المثير فعلا، بحثيا ومعرفياً، استكناه رأي "عرب اسكتلندا" في مسألة الانفصال ومعرفة لمن صوتت اكثريتهم، ولماذا.
وفي نفس الوقت سيكون من المُعلم والمفيد لو أجري بعض الاستطلاعات المسحية العلمية لاستكشاف المزاج العربي حول فكرة هذا الانفصال، بل وربما توسيع ذلك إلى قضايا "انفصالية" وخلافية اخرى مثل مطالبات اقليم الباسك وانفصاليي كرواتيا.
الانطباع الاولي والتخميني، لدى كاتب هذه السطور على الاقل، ان نتائج مثل تلك المسوحات في ما لو اجريت ستؤثر الى تفضيل واضح لفكرة الوحدة، حتى من دون الانخراط في التفاصيل وفي الاسباب التي تجعل كثيرين من سكان تلك المناطق يطالبون بالاستقلال والانفصال.
وهذا يحيلنا مرة اخرى إلى معادوة فتح ملف فكرة الوحدة العربية التي رغم طوباويتها السياسية وعدم طرحها كبرنامج سياسي من قبل اية دولة أو حزب ذي جماهيرية حقيقية، إلا انها لا تزال تعيش في الوجدان العربي العميق.
وهي تعيش ايضا ويؤيدها بقوة، وبما يلفت الانتباه اكثر، بعض الشرائح الشبابية العربية التي ولدت في المهجر والتي لا تتقن في مجملها اللغة العربية أصلاً.
وهذا يفتح باب نقاش آخر حول "الهوية العربية" وتعريفها، ويذكر بنقاش معمق أداره عبد الإله بلقزيز في كتابه عن "نقد الخطاب القومي".
وفيه يرفض بلقزيز، وعلى خلاف مع كثير من المقاربات القومية الكلاسيكية، أيَّ تعريف يجذر الهوية بأطر جوهرانية وثقافوية تاريخية، تركز مثلاً على العرق، أو اللغة، أو الدين، أو التاريخ، فـ "عرب اليوم" يتجاوزون تلك التعريفات الحصرية والمقيدة، فأين يقع - مثلاً - أبناء العرب في المهاجر ممن لا يتكلمون العربية؟ وأين يقع غير العرب من المواطنين الذين ربما لا يتقنون العربية ولا ينتمون عرقياً لأي جنس "عربي"؟ وأين تقع الهوية الدينية في كل هذا اللبس؟ وأين يقع المسيحيون العرب إذا ما أدمجنا الإسلام في تعريف الهوية العربية؟ الجواب الحاسم عند بلقزيز هو أن الهوية الحديثة تتعرف فقط ضمن إطار سياسي ومواطني: الدولة الوطنية الديموقراطية هي مناط تعريف الهوية، وهذه الهوية تصبح ماهيتها سياسية قانونية في المقام الأول، وتتراجع اي مكونات ثقافوية أو تاريخية لتأخذ المقعد الخلفي.
ومن هنا أيضاً، فإن أطروحات التجانس الثقافي المفتعلة والقسرية لا تخلق هوية بل تعمق أزمات، إذ تريد قولبة المختلف في إطار ثقافوي توحيدي فوقي مفترض.
ويأتي الالتباس الكبير في تعريف الهوية القومية وحتى هوية الفرد في الفكر القومي من خلل أكبر وأهم، وهو احتقار فكرة "الدولة" أمام فكرة "الأمة"، فالأمة هي الأصل والدولة هي نتوء قد يبرز في هذه الحقبة أو تلك، ومن هنا، فإن تعريف الهوية بقي قلقاً من ناحية وثقافوياً من ناحية أخرى، لكنه في الحالتين اغترب عن حاضر عرب اليوم وعن دولهم القائمة، لأنه لم ينبع من هوية قانونية وسياسية تنطلق من تكريس مفهوم الدولة وإطارها.
وعندما نعيد تدوير هذا النقاش النظري في ضوء مثال وحالة عملية وواقعية تقوم حول تأييد حالة وحدة معنية لا علاقة للعرب بها على حالة الانفصال، فإن ذلك يدلل على أن الفكرة والنقاش حولها لم يموتا بل ما زالا على قيد حياة متحدية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا يقف العرب ضد انفصال اسكتلندا عن بريطانيا لماذا يقف العرب ضد انفصال اسكتلندا عن بريطانيا



GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 04:46 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

أفكار مبتكرة للفواصل في ديكور المنازل العصرية

GMT 04:39 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

أفكار أساسية في تصميم السلالم الداخلية للمنزل العصري

GMT 16:06 2020 الأربعاء ,01 إبريل / نيسان

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 08:18 2015 الإثنين ,28 كانون الأول / ديسمبر

قضية فرخندة مالك زادة مستمرة في تعرية ظلم القضاء الأفغاني

GMT 05:54 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

علي العلاق يضع اسمه على الدينار بدلاً من توقيعه

GMT 14:42 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

المستشار براك يبحث مع ممثل جمهورية مالطا دعم النيابة العامة

GMT 22:03 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

مكرمة رئاسية لعدد من الحالات الإنسانية في محافظة جنين

GMT 23:43 2017 الثلاثاء ,28 آذار/ مارس

استقبال خاص لكريستيانو رونالدو في مسقط رأسه

GMT 06:36 2017 الأربعاء ,09 آب / أغسطس

390 مليار درهم تصرفات عقارات دبي في 18 شهراً
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday