محاولة في فهم معنى التطرف
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

محاولة في فهم "معنى التطرف"

 فلسطين اليوم -

محاولة في فهم معنى التطرف

عريب الرنتاوي

إن أول مشكلة تواجه الباحث في قضايا التطرف، إنما تتعلق بتحديد المصطلح،فإذا كان التطرف لغة يعني إمساك الشيء من طرفه، أو إتيان الشيء من طرفه، فإن تعريف التطرف اصطلاحاً يصبح أكثر تعقيداً ... ففي العلوم الاجتماعية، ليس ثمة اتفاق على تحديد “نقطة الوسط” أو “المنتصف”، حتى يصبح الاتفاق على معنى “التطرف” أمراً ممكناً،فهي نقطة متغيرة في المكان، فما هو متطرف في مجتمع، لا يبدو كذلك في مجتمع آخر، وهي نقطة متغيرة في الزمان، فما يبدو تطرفاً اليوم، قد لا يصبح كذلك في المستقبل.
 والتطرف كظاهرة اجتماعية مركبة، يُنظر إليها كـ “خروج عن النسق العام” و”منظومة القيم والمبادئ والأفكار الشائعة والرائجة والمتوافق عليها بين الناس” ... وفي أزمتنا الراهنة، فإن منظمة القيم والمبادئ، لم تعد محلية خالصة، نابعة من مورث الأمة والمجتمع فحسب، بل باتت لها مرجعيات أممية، تواضعت البشرية حولها، وسطرتها في جملة من المواثيق والمعاهدات الدولية؟ ... فليس بالضرورة أن تكون مؤيداً لداعش حتى توسم بالتطرف، يكفي أن تنسب لنفسك ولمرجعيتك الاعتقادية، الحقيقة المطلقة والأخلاق الحميدة، وتحجبهما عن الآخرين، حتى تصبح متطرفاً ... يكفي أن تنتقص من إنسانية “الآخر” أو تستكثر عليه حقوقه الأساسية، لا لشيء إلا لأنه يختلف معك في الجنس أو العقيدة أو المذهب أو الدين أو القومية أو اللسان، حتى تصبح متطرفاً.
والتطرف عادة، يأتي متبوعاً بما يوضحه، كأن يقال تطرفاً وغلوا، والغلو هنا هو التجاوزالأبعد لحدي الإفراط أو التفريط ... وأحياناً يُتبع التطرف (أو تترتب عليه) انحرافات سلوكية، عندها ينتقل المتطرف من فضاء الفكرة والاعتقاد إلى حضيض الممارسة اللاقانونية واللاأخلاقية، وتتدرج هذه الانحرافات من حيث شدتها وخطورتها الجرمية، تبدأ بالتحقير وتمر بالتعرض والمضايقات وتصل ذروتها بالإرهاب بشتى صوره.
ويقال أيضاَ، التطرف والإرهاب، ويردا كمتلازمتين، وهنا غالباً ما يذهب الحديث صوب التطرف الديني، مع أن الحاجة تقتضي التمييز بدقة بين الأمرين، فليس كل متطرف إرهابي، مع أن كل إرهابي هو متطرف بالتعريف ... والتطرف في حالة الإرهاب، هو انتقال من دائرة الاعتقاد إلى دائرة السلوك الإجرامي ... مثل هذا التمييز ضروري عند رسم السياسات والاستراتيجيات الكفيلة بمحاربة التطرف واجتثاث الإرهاب ... فالتطرف طالما ظل في دائرة الفكر والمعتقد، يعالج بوسائل فكرية وثقافية وتربوية، والفكر لا يُدحض إلا بالفكر، والمعركة مع التطرف هي ذاتها المعركة على عقول وقلوب الكافة من الناس، وهنا تشتد الحاجة لتفعيل جبهات الثقافة والفنون والإعلام وفضاءات التواصل الاجتماعي لمواجهة ظاهرة التطرف.
أما حين ينتقل التطرف من ميدان الاعتقاد إلى ميدان السلوك المنحرف، فلا بديل عن المعالجات الأمنية، لفرض سيادة القانون وحفظ حقوق المواطنين والمكونات المختلفة، وتكريس هيبة الدولة وسلطانها ... واحسب أن جلالة الملك، كان شديد الوضوح في حديثه عن أنماط المعالجات المختلفة لظاهرة التطرف والإرهاب ... فثمة حلول أمنية وأخرى عسكرية، لحفظ أمن الأوطان والمواطنين وسلامتهم، وثمة معالجات فكرية وإيديولوجية، تبدأ بالبيت والمدرسة ولا تنتهي بالجامعات والمعاهد وفضاءات الإعلام والثقافة والفنون والمنظومة التشريعية والمؤسسية للدولة بمختلف مؤسساتها.
والتطرف كظاهرة، لا يمكن رده لسبب واحد، كأن يقال الفقر والبطالة، أو الاستبداد وانعدام العدالة الاجتماعية ... التظرف ظاهرة اجتماعية تتظافر في تشكيلها جملة عوامل ثقافية ودينية واجتماعية واقتصادية بالضرورة ... فالفقر والبطالة لا يولدان التطرف إلا إذا التقيا بثقافة التكفير وتحقير الاحتقار ... فسلطنة عمان على سبيل المثال، تأتي في آخر قائمة الدولة الخليجية من حيث معدلات دخل الفرد، بيد أنها أقلها إسهاماً في تصدير المتطرفين والإرهابيين، وثمة دول تفوقت على عمان في الدخل والثروة، تقدمت عليها كذلك، في قائمة الدول المصدرة للإرهاب.
وتونس التي نحتفي بها بوصفها التجربة الأنجح في الانتقال السلمي التوافقي للديمقراطية، تحتل الموقع الثاني في قائمة الدول المصدرة للإرهاب، بعد السعودية، ومن دون أن يعني ذلك بالضرورة، الوصول إلى نتيجة مفادها أن لا حاجة للإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، نقول إن المؤشرات العامة التي توصلت إليها معظم الدراسات الخاصة بالتطرف والإرهاب، تشدد على العلاقة الجدلية بين نجاح دولة المواطنة، دولة جميع أبنائها في إقامة علاقات سليمة مع مجتمعها ومواطنيها من جهة، وتنامي أو تآكل جيوب التطرف والإرهاب من جهة ثانية.
كما أثبتت الدراسات ذات الصلة، أن انعدام العدالة في توزيع الدخل والثروة، وتفشي مظاهر الفساد والإفساد، واتساع جيوب الفقر والبطالة، وتفاقم الإحساس بالتهميش الاقتصادي والاجتماعي، هي وصفات جاهزة لشيوع التطرف وتنامي خطر الإرهاب ... لذلك فإن أية مقاربة لهذا الظاهرة، من زاوية واحدة، هي مقاربة ضيقة، ولا تفضي إلى اجتراح الحلول والمعالجات المطلوبة.
إن أخطر منابع التطرف تكمن في مؤسسات التربية والتعليم، حين تخفق المناهج والأساليب التربوية في إنشاء أجيال شابة، مشبعة بثقافة الحوار والتسامح والاعتراف بالآخر واحترامه، وحين تعجز العملية التربوية، عن تشكيل جيل من الشباب المسلحين بالتفكير النقدي، سيما إذا تزامن ذلك مع تآكل في أدوار مؤسسات الوعظ والإرشاد وانكفاء دور علماء الدين المتنورين، وشيوع الخطابات المتشددة والأفكار الغيبية القائمة على الخرافات والأساطير، وحين تتحول المدارس والمنابر، إلى ساحات للعنف المجتمعي أو ميادين لنشر ثقافة الكراهية وإلغاء الآخر.
وأخيراً، التطرف ليس بضاعة أردنية، ليصار إلى معالجته أردنيا فحسب، لكن الأردن لم ينج من سطوته وطوفانه اللذان اجتاحا المنطقة برمتها، وكلما تقدمنا على طريق تحصين المجتمع الأردني في وجه رياح الغلو والتشدد، كلما تعززت مناعتنا في مواجهة هذه الآفة، فهل نحن فاعلون؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محاولة في فهم معنى التطرف محاولة في فهم معنى التطرف



GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 14:07 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توافقك الظروف المهنية اليوم لكي تعالج مشكلة سابقة

GMT 04:39 2024 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

أفكار أساسية في تصميم السلالم الداخلية للمنزل العصري

GMT 08:26 2017 الأربعاء ,12 تموز / يوليو

"كامال" تكشف تصميمًا من السيارات يقودها الأحصنة

GMT 01:17 2016 السبت ,17 كانون الأول / ديسمبر

علماء يعثرون على أنواع بحرية جديدة في المحيط الهندي

GMT 01:14 2014 السبت ,06 كانون الأول / ديسمبر

خرجة يرفض عروضًا أوروبية بحثًا عن بطولة شخصية

GMT 11:56 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

ديكورات ملوّنة في منزل أديل المودرن
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday