المكتشف الأول والعامل المجهول
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

المكتشف الأول والعامل المجهول

 فلسطين اليوم -

المكتشف الأول والعامل المجهول

بقلم : مصطفي الفقي

تراودنى- مثل غيرى- تساؤلات مفتوحة حول المعاناة التى مر بها الإنسان فى أطواره المختلفة، وكيف كان يعيش فى الكهوف؟ ماذا كان يفعل فى العصر الجليدى؟ ماذا كان شعوره أول مرة عندما رأى النار؟ وكيف وقف مشدوهاً أمام البحار والمحيطات؟ إن رحلة البشرية المضنية تؤكد أن علينا أن ندرك أن الجندى المجهول فى تاريخنا هو المكتشف الأول لأنه هو العامل المجهول، والغريب أنه كلما ازدادت معارفه لا يتقلص المجهول أمامه بل تزداد التساؤلات وتتعقد شبكة التفكير فى مواجهة هندسة الكون، ماذا فعل الإنسان الأول أمام غضب الطبيعة من رعد وبرق وسيول وزلازل وبراكين؟ كم أشفق على ذلك المخلوق الذى استخلفه الله فى الأرض

وقال له: (إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً) فكيف تراكمت معارفه؟ وماذا كان شعوره فى الانتقال من العصر الحجرى إلى عصر آخر عبر ملايين السنين؟ كيف بدأ حياته الطويلة بالصيد والرعى قبل أن يعرف الزراعة؟ لذلك ظل وثنياً يعبد الأشياء المحسوسة إلى أن أطلت عليه الأديان السماوية منذ ما يقرب من ثلاثة آلاف عام فقط ليدرك أن هناك قوة غيبية تحكم أبعاد الحياة وآفاق المعمورة، وأحسبنى أحياناً متحدثاً لـ«إخناتون» المصرى، الذى اكتشف وحدة الوجود ووصل إلى شاطئ التوحيد، ويصيبنى الشطط أحياناً أخرى فأظنه بديلاً لموسى كليم الله ونبى اليهودية، خصوصاً أن التداخل بين الروايتين الدينية والتاريخية يلزمنا أحياناً بالمقارنة الزمنية التى قد تقترب من التطابق كما قد تبتعد أيضاً على نحو يؤدى إلى الارتباك بين الروايتين حتى تستطرد الأسئلة تلح على خاطر المرء.. هل كان «داروين» محقاً عندما تكلم عن أصل الأنواع وأوضح فى نظرية النشوء والارتقاء أن الإنسان الأول هو امتداد متطور لحيوانات راقية ربما تجسدها (مرحلة القردة)؟ ثم أتراجع بشدة لأبحث فى التيار المادى الذى عصف بـ«أوروبا» فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ليضم «الدارونية» و«الفرويدية» و«الماركسية» وكلها امتداد لتيار مادى واحد يبتعد عن الغيبيات ويتخذ موقفاً محايداً من الأديان كى يمضى بالإنسان فى مسارات جديدة، وكلما قطعت البشرية أشواطاً إلى الأمام شعرنا بأنها تفسر الماضى من جديد وتقرأ التاريخ قراءة مختلفة وتضع يديها على مئات القضايا المجهولة عبر مسيرة الإنسان، ثم نأتى إلى اللغز الأعظم وهو كيفية البداية فى الخلق الإلهى، وما هو الانفجار العظيم الذى أدت انشطاراته الهائلة إلى ميلاد الخلية الأولى فى تكوين الإنسان؟ وكيف تتطابق تلك الدراسة العلمية غير المؤكدة مع نظرية الخلق فى الأديان السماوية والتى تبدأ بآدم وحواء؟ إن علينا أن ندقق كثيراً فيما تعلمناه وصدقناه واستسلمنا له، خصوصاً أن قضية الإيمان تبقى مسيطرة على أرواح مليارات البشر، فالإيمان ليس فقط هو ما وقر فى القلب وصدقه العمل ولكنه أيضاً القبول بأطروحات لا يدركها العقل البشرى ولكنه يؤمن عن اقتناع غيبى بوقوعها وتلك هى قمة الإيمان الذى يجعل الإنسان بحق سيد الكون، لذلك أفيق فجأة من هذه التأملات وما يصاحبها من خيالات مدركاً أن المؤمن أفضل عشرات المرات ممن لا إيمان له، فلو تاه صديقان فى الصحراء أحدهما مؤمن والثانى أقرب إلى الإلحاد فإن المؤمن سوف يعتصم بإيمانه وقد يبقى متماسكاً، بينما قد ينهار صديقه الذى لا يجد زاداً من دين يعتصم به أو إيمان يحميه من المجهول، ولقد تابعت سيرة كبار المفكرين والعلماء والقمم فى التاريخ البشرى فلم أجد للإلحاد مكاناً إلا من خلال نسبة ضئيلة، فنحن لا نكاد نعرف اسماً كبيراً اتخذ موقفاً محايداً من الألوهية أكثر من الفيلسوف البريطانى «برتراند راسل»، بينما كبار الأطباء وعلماء التشريح والمتبحرون فى فروع العلم المختلفة من القمم المعروفة هم من المؤمنين، بل وأحياناً من غلاة المؤمنين، لأن الإنسان إذا عرف أكثر وأدرك ما يمكن أن يكون خافياً فإنه يكون أشد أيماناً.. ما أروع الفكر والعلم والإيمان إذا اجتمعت!.

المصدر : جريدة المصري اليوم

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المكتشف الأول والعامل المجهول المكتشف الأول والعامل المجهول



GMT 03:22 2019 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

رسالة مفتوحة إلى رئيسة وزراء نيوزيلندا

GMT 06:08 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تكريم السادات

GMT 05:39 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

"محمود كارم" وسبيكة المكارم!

GMT 05:44 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

25 يناير 2011

GMT 06:53 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

المئوية

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 08:15 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

"موديز"تؤكّد أن دول الخليج ستحتاج عامين لتعافي اقتصادها

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

"الفار المكار"

GMT 18:04 2016 السبت ,03 كانون الأول / ديسمبر

سيمون تتحدث عن فيلم "يوم حلو ويوم مر" فى "بالعربى"

GMT 01:29 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

حركة طالبان "تتمسك بسلاحها" في شهر رمضان

GMT 11:56 2019 الثلاثاء ,26 شباط / فبراير

دراسة توضّح أهمية تناول الخضروات والفواكه يوميًا

GMT 08:12 2019 الثلاثاء ,19 شباط / فبراير

الاحتلال يعتقل شابا من ضاحية شويكة شمال طولكرم
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday