الحياة العصرية

يسعى بعض الناس للعزلة، لكن القليل من الأشخاص من يختار أن يعيش وحيدا. والوحدة لا تجعلنا فقط نشعر بعدم السعادة، لكنها أيضا أمر سيء بالنسبة لنا، فيمكن أن تؤدي إلى نقص الثقة، وإلى مشكلات نفسية مثل الاكتئاب، والشعور بالضغط والقلق. وقد أظهرت الدراسات أن شخصا واحدا من بين كل عشرة أشخاص من البريطانيين يشعر بالوحدة، ولكن تقريرا صادرا عن مؤسسة الصحة النفسية في المملكة المتحدة يقول إن الشعور بالوحدة بين الشباب أصبح في تزايد مستمرة. وفي نفس الوقت، فإن التغيرات الاجتماعية مثل زيادة معدلات السكن الفردي، وزيادة الشبكات الاجتماعية على الإنترنت والتقدم في السن، أدت إلى تغير الطريقة التي يتفاعل بها الناس مع بعضهم البعض. فهل الحياة العصرية تجعلنا نشعر بالوحدة؟ ويشعر الناس بالوحدة لأسباب عديدة، كما تقول ميشيل ميتشل، مدير عام مؤسسة إيدج الخيرية البريطانية، لكن غالبا ما يكون ذلك بسبب وقوع أحداث كبيرة في الحياة. وتضيف ميتشل: "يمكن أن يكون ذلك بسبب اعتلال الصحة، أو المرض، أو المال، أو انتقال الأولاد للعيش بعيدا، أو الشعور بالانفصال عن العائلة والأصدقاء والمجتمع، أو موت الأصدقاء، أو صعوبة الوصول لوسائل المواصلات، أو كثرة مشاكل العمل، أو الطلاق. ويأتي هذا الشعور في الغالب حينما يفقد الأشخاص هدفهم أو دورهم في الحياة." وتضيف: "فقدان الأعزاء يعد أيضا قضية كبيرة، ففقدان الزوج أو الزوجة قد يكون له تأثير ضار بالفعل فيما يتعلق بكيفية شعور الناس بالعالم من حولهم." وهو شعور مرت به السيدة بام، التي توفي زوجها بيتر منذ أربع سنوات، وتقول: "هناك الكثير من الرجال الذين تلقاهم، والذين يعيشون بمفردهم، لكن ليس هذا ما أبحث عنه، ما أبحث عنه هو زوجي، أليس كذلك، ولن أجده أبدا." وإذا كان فقدان الأقارب أو المرض لا مفر منهما ، فأن المجتمع العصري يفاقم مسببات الشعور بالوحدة. يقول أندرو ماكلوتش، المدير التنفيذي لمؤسسة الصحة النفسية في بريطانيا إنه بالرغم من عدم وجود بيانات تاريخية قوية حول موضوع الوحدة، إلا أنها كشعور فردي تزداد سوءا، وهناك دلائل اجتماعية على ذلك. ويضيف: "لدينا بيانات تشير إلى أن الشبكات الاجتماعية بين الناس أصبحت أصغر حجما، وأن العائلات لم تعد توفر نفس المستوى من البيئة الاجتماعية التي كانت توفرها منذ 50 عاما." ويقول ماكلوتش: "و السبب ليس أن العائلات سيئة، أو غير مهتمة، وإنما الامر يتعلق لذلك علاقة بالبعد الجغرافي، وانهيار الزواج، وتعدد مسؤوليات الرعاية، وطول ساعات العمل." وأصبح نموذج السيدة المسنة الوحيدة هو النمط الأكثر وضوحا في المجتمع، فمنذ 50 عاما مضت، كان الناس يميلون إلى العيش بالقرب من الآباء المسنين، لكن فرص العمل والسفر جعلت الناس ينتقلون إلى أماكن بعيدة. وحذرت مؤسسة دبليو أر في اس الخيرية من أن هناك أكثر من 360 ألف شخص من المسنين يشعرون بالوحدة بسبب بعد أبنائهم عنهم، و"انشغالهم عن رؤيتهم".