كتاب المراثي بر للنورس يوسف ومستقر
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

كتاب المراثي بر للنورس يوسف ومستقر

 فلسطين اليوم -

كتاب المراثي بر للنورس يوسف ومستقر

حسن البطل

أربعون عاماً (وعام واحد) تكفي وتزيد لتجعل من الطفل رجلاً، ومن الرجل حكيماً.. وتلميذ صف البستان بروفيسوراً.. وأربعون عاماً قلمياً تجعل الكادر الغر قائداً في مرتبة مدير عمليات على الأثير العربي.
صوت يوسف حسن (عفواً صوت فلسطين) من بغداد إلى الجزائر وما بينهما، ومن بيروت إلى صنعاء وما بينهما.. وأخيراً من أريحا إلى رام الله؛ وأما في نيقوسيا فقد اتكأ الصوت على القلم. كم سنة؟ ثلاث سنوات أو أربع. كادر ومدير المحطات نقل صوته من أجواء الأثير، وحمل قلمه إلى قفص الكلمات المطبوعة على صفحات الصحيفة المركزية.
للحبر ألوانه، وكان حبر قلمينا أزرق. حبره أزرق سائل دائماً وحبري أزرق ناشف دائماً.. وشيء آخر مختلف. حليفا السيكارة حلفاً استراتيجياً.. لكنه حليف علبة روثمان كلاسيك، وأنا حليف تكتيكي. بعضنا كان له في كل منفى امرأة وولد (وجواز سفر آخر)، وبعضنا له في كل منفى علبة سكائر تختلف.
أربعون عاماً (وعام واحد)، أي منذ سقتنا حرب حزيران 67 كدراً وطيناً، كانت كافية لتجعل من الطفل، ابن دورا، طفلاً عاتياً. يوسف حسن ظل يشتم ويضحك، يخاصم ويصالح كطفل. مات طفلاً.. وبحماسة الطفل يلعب أوراق الشدة.
إذا الولد سر أبيه، والبنت أيضاً، فقد كان نجله تميم وابنتاه نسرين وحنين، من أكثر أطفالنا في حياة المنافي تهذيباً وحياءً.
صحيح، كان (أبو تميم) يزمجر على موجات الأثير، ويعطيك من أتون قلمه عبارات كالحديد الذائب.. لكنه في الخلاف الحاد وفي النقاش الهادئ، كان حليف سيكارة الروثمان حليفاً أبدياً أيضاً لعبارته الأثيرة: (لو سمحت!).
ابن دورا هذا، ظل الطفل الذهبي لمحطات الإذاعة الفلسطينية. ليس السؤال كم مرة تسافر الثورة، بل من كم جهة وبلد كان يأتيكم دائماً صوت يوسف حسن. إنه فينيق الأثير الفلسطيني بلا منازع.
كانت الثورة مثل زوبعة متنقلة، وكانت أذرع الإعلام الموحد تنتقل معها. كثيرون انتقلوا من ذراع إلى ذراع آخرى.. البعض سقط أسيراً في حضن هذا النظام أو ذاك، أو استراح نهائياً في هذه المحطة أو تلك من محطات المنافي. ومن بين قلة واكبت انطلاقة الثورة، ظل يوسف حسن ينتقل مع الزوبعة.. ودائماً يبقى على الخط الفلسطيني: خط القرار المستقل، ومدرسة الإعلام الموحد.. ودائماً في الخندق الإعلامي المتقدم.
في كل خندق قتلى، فرادى أو جماعات، وفي كل منفى مقبرة مقدسة مرتين. مرة لأنها مقبرة قتلانا، ومرة لأن مقابر المنفى نسقيها بوعد الموت العادي في البلاد.
كنا شباباً، وكان الموت العادي في المنفى هو الاستثناء. المرض موت غادر مثل رصاص غادر يطلقه الشقيق في الصدر أو في الظهر، أو أن حليفاً نزقاً يفقد السيطرة على الزناد، لأن الكابوس التهم الحلم، أو لأن العطش جعل السراب ماء مراوغاً، والرمل المتحرك بدا للبعض براً راسخاً.
كم مرة تحلقنا حول حفرة في مقبرة من مقابر المنافي. في كل حفرة أخرى، كان يسقط واحد منا؛ من الحلقة حول الحفرة السابقة. ولد مات بالقصف العشوائي. شاب مات في الخندق. كادر متقدم سقط بمسدس مكتوم الصوت. قائد مخضرم سقط بمؤامرة اغتيال محبوكة.
نعود من حلقة الحفرة في المقبرة إلى الأقلام والمكاتب أو نعود إلى الخنادق، أو نسافر مع الثورة (هي هجرة أخرى؟). نتجمل بالصبر، أو يتجمل الصبر فينا.. أو نتجمل على الصبر بالضحك كما كان يضحك يوسف حسن، وهو يضحك مثل الأطفال، يغضب مثلهم ويسامح مثلهم (لو سمحت!).
قال يوسف خلال حرب المخيمات: آه.. آخ.. هذه حرب ذبحتنا. كنا في المبنى رقم أربعة من شارع تشرشل - نيقوسيا. دقائق، وخرج يوسف إلى الشارع، يلعب الكرة مع الأولاد القبارصة.. بل ويدهشنا بترقيص الطابة على القدم والفخذ، الصدر والرأس.. ويشوط كما يشوطون في الملاعب.
أعطاني في حياتي بقلمه بعض حقي، وأعطيته في حياته بقلمي بعض حقه. هو على الملصق هذه المرة يوسف القزاز، ونحن الذين نشيعه يودعه بعضنا كيوسف حسن، وبعضنا كيوسف القزاز. كم تبقى من كهول فصيل الإعلام؟ كم ورقة بقيت على الشجرة؟ كم واحداً من السرب القديم تحلق حول الحفرة.. وسيتحلقون حوله عما قليل؟
هذا هو البر الأول والأخير. وهذه هي المقبرة المستقر الأخير من مقابر المنافي. عشنا كثيراً في المنافي (أي قليلاً) وعشنا كثيراً في البلاد (أي كثيراً).
بعد أربعين عاماً، يصير الأصحاب وطناً أو يجاور قبرنا قبورهم. وبعد أربعين عاماً يصير زمن الوطن كافياً لنزوج أولادنا لبناتهم، وبناتهم لأولادنا.
فلسطين الجديدة هي تميم ونسرين وحنين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كتاب المراثي بر للنورس يوسف ومستقر كتاب المراثي بر للنورس يوسف ومستقر



GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

GMT 21:30 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

الشرق الأوسط والموعد الصيني

GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 10:42 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

تحديد موعد إجراء قرعة دوري المحترفين والأولى

GMT 10:04 2024 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

الأطعمة الدهنية تؤثر سلبًا على الجهاز المناعي والدماغ

GMT 18:00 2017 الجمعة ,14 إبريل / نيسان

أوزيل يرد على انتقادات جماهير أرسنال

GMT 03:12 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

ظلال عيون يناسب صاحبات البشرة السمراء

GMT 07:08 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

أشهر الأماكن للسياحة في روسيا خلال موسم الشتاء

GMT 14:23 2018 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أليغري يفضّل جلوس رونالدو على مقاعد البدلاء أمام "أتلانتا"

GMT 14:19 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

رفع دعوى قضائية ضد الملحن فارس اسكندر بعد تطاوله على الكعبة

GMT 17:01 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

رئيس الأولمبية الإسبانية يبرز قوة الرياضة لحل أزمة كتالونيا

GMT 17:32 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

الصافي يمنح لاعبات «طائرة الأهلي» راحة من التدريبات
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday