المثقف الفاعل 2
آخر تحديث GMT 04:53:15
 فلسطين اليوم -

المثقف الفاعل "2"

 فلسطين اليوم -

المثقف الفاعل 2

بقلم : د. عاطف ابو سيف

استكمالاً للنقاش في الأسبوع الماضي حول المثقف الفاعل وغياب الدور العضوي المتوقع منه والمرتبط أيضاً بحالة غياب لقوى كبيرة كان يجب أن تكون مؤثرة، فإن هذا الغياب الذي لابد أن يكون جزءاً من عملية طرد ذاتي تعزز بسبب أو كان نتيجة لقصور ذاتي لدى المثقف نفسه الذي لم يعد يرى مكانته ودوره بطريقة صحيحة. فالمثقفون أكثر انشغالاً بتفاصيلهم متجنبين التفاصيل العامة. 

فبالقدر الذي كان للتحولات الكبرى التي هزت القضية الوطنية والتطورات التي أصابتها عقب مراحل الثورة المختلفة وبعد ذلك نشوء السلطة ومن ثم الصراع والاقتتال عليها، دور في تغييب المثقف فإن الأخير أيضاً انطوى على نفسه ولم يعد يناضل من أجل الدور الذي عليه أن يقوم به. 

ما أقصده هنا أن ثمة عملية تناغم صامت بين الإقصاء الذي فرضته التحولات والتطورات وبين النزوع الذاتي لدى المثقف. 

فمن جهة فهو إن لم يكن قادراً على القيام بدور فإنه في نفس الوقت غير راغب فيه. وربما أن عدم نجاعة الفعل قادت إلى المزيد من الإيمان بأنه لن يكون ناجعاً في عملية توليد ذاتي للعجز، نتج عنها المزيد منه. 
وهكذا حتى باتت الحال تشبه السبات العميق الذي يخلو حتى من الأحلام.

وفي متوالية تساهم في تعميق الغياب مقابل الحضور المفترض فإن المثقف بات خارج دائرة التأثير. 
ويمكن بنظرة خاطفة إلى المركبات الفاعلة في السياسة الفلسطينية الحالية أن ندرك كيف ينسحب المثقف بتلويناته المختلفة من الحياة العامة. 

بكلمة مختلفة ذهب الزمن الجميل الذي كان فيه قادة التنظيمات الكبرى من كبار الكتاب والمثقفين، فيما البقية الأخرى من المساهمين بقوة في النقاش الفكري والتنويري في ذلك الوقت. 
فاللجنة المركزية لفتح والمكاتب السياسية للتنظيمات الفلسطينية كانت تمتلئ برموز المعرفة والثفافة والهوية الفلسطينية، وكذلك اللجنة التنفيذية للمنظمة. 

بل إن قامات من هؤلاء كان يتم اختيارها بسبب فعلها وقوتها الثقافية التي بدورها تنعكس على قوة وجودها العامة. 
وقتها لم يكن المثقف يخجل من الفعل السياسي لأن المؤسسة كانت تدفعه نحو ذلك. كان ثمة حاجة لوجود المثقف العضوي والفاعل القادر على القتال بطريقته من أجل التحرير. 

الآن الصورة قد تبدو كئيبة، وعليه فهي ليست بحاجة للكثير من التفصيل.
ترتب على ذلك أن المؤسسة الثقافية لم تعد ذات أهمية. أيضاً لأن ثمة تراجعا في دورها ومكانتها بسبب التحولات والتطورات، فإنها لم تعد تؤثر في الحياة العامة. 

يمكن بنظرة خاطفة النظر إلى الدور التاريخي لاتحاد الكتاب والصحافيين سابقاً والدور غير الفاعل الذي يقوم به اتحاد الكتاب والأدباء من جهة ونقابة الصحافيين  من جهة أخرى كوريثين للاتحاد السابق. 
وربما الصرف على الثقافة من الخزينة العامة الذي لا يتعدى نسب قليلة يكشف المزيد من ذلك. 

الجانب الآخر المتعلق بذلك مثلاً هو عدم التعامل بجدية مع تصعيد النخب إلى قيادة المؤسسة الثقافية، حيث يمكن لشاعر أو كاتب بسيطين أو فنان لم تترك الريشة أثراً على أصابعه أن يصير مسؤولاً للمؤسسة ومُعّرفاً لها. 

ربما أن المكانة غير المحجوزة للمؤسسة في قاطرة الفعل المؤثر وغيابها هي من تجعل عملية الاختيار غير مهمة، ويتم تهميش المثقف الفاعل خلف ستار التحولات والتطورات. 

فالمهمة تحدد الشخص كما تجري العادة، وعادة ما يتم ملء المؤسسة وحشوها بالكثير من الأعضاء أو العاملين ممن يصبحون مثقفين بسبب الفراغ وليس بسبب الحاجة. بعبارة أخرى يتم التطاول على الثقافة والكتابة من خلال استسهال ممارستها، فيما الاشتباك الحقيقي في الحياة والتأثير فيها من قبل المثقف الحقيقي لا يعود موجوداً. 

وبشكل عام يتراكم على ذلك عملية انسحاب ذاتي من المشهد، وهو انسحاب هروبي يتم تغليفه من بعض المثقفين بالحماية والحاجة للخلوة والتأمل وبعبارات الترفع والأنفة غير الحقيقية. 

ولا يقتصر الأمر على الانسحاب بل إلى تجريم الاشتباك. فمثلاً يصبح من المعيب للمثقف أن يكون عضواً حزبياً فاعلاً وكأن التنظيمات التي صنعت مجد الشعب الفلسطيني بعد رماد النكبة باتت عبئاً وعيباً، وكأنه لا يمكن أن تكون كاتباً وقائداً حزبياً في نفس الوقت. 

حتى النماذج الناجحة في ذلك مثل تجربة غسان كنفاني وماجد أبو شرار وحتى درويش تذكر على أنها استثناءات لا يمكن استعادتها، في تجذير للعجز الذاتي وفي إقصاء لممكنات التغير. 

فيصير المثقف مثقف نفسه، ويصير عالمه عالما بكليته، لا علاقة له بالمحيط الخارجي، ولا يقيم أي تواصل وتفاعل مع قضايا المجتمع، ورويداً رويداً يخلو المشهد من المثقف الحقيقي صاحب الذائقة الرفيعة التي تسمو بالذائقة الجماعية وتطورها، وتحتل المنصات أصوات ضعيفة لا ترتكز على قواعد معرفية وجمالية حقيقية.
 
ولأن الطبيعة لا تحب الفراغ فإن مثل هذه الأصوات يمكن لها بعد حين أن تسطو على الذائقة العامة وتلوثها خاصة مع هيمنة النشر على صفحات التواصل الاجتماعي التي لا تريد الكثير من المهارة ولا التكلفة ولا الموهبة. 

وأمام ذلك يهيمن الأدب الذاتي في تغييب مقصود أو هروب من الأدب الوطني. وتهيمن الغرفة وتحل مكان المدينة أو القرية أو المخيم أو الوطن بصورته الأشمل، وتصبح الذات هي العالم الداخلي والخارجي. 

وفي أقل تقدير يصار إلى ترحيل أي هم خارجي كان الكاتب والكتاب يتفاعلان في بوتقة لا يعرفها أحد. 
وهذا موضوع نقدي أثاره بعض النقاد والأكاديميين بالتأكيد ربما لا مكان له هنا، لكنه يكشف عمق الانطواء الذي يمارسه المثقف بإرادته لأنه قَبِل وبات راغباً في ممارسة غيابه الذي قد تكون التحولات والتطورات العامة قد ساهمت به، إذ بات عاجزاً عن تبّصر ممكنات فعله وتأثيره. 

في اللحظة التي يموت الإيمان بقوة الإبداع، وتتعزز القناعة بنفي الحاجة للكتابة، وفي اللحظة التي يغيب فيها المثقف أو تتم تنحيته جانباً، فإن الهوية الوطنية تمر أيضاً بمرحلة تفكك وتأثير على صياغاتها المختلفة! ألا يحدث كل هذا؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المثقف الفاعل 2 المثقف الفاعل 2



GMT 06:58 2020 الإثنين ,15 حزيران / يونيو

عــام آخــر

GMT 07:35 2020 الإثنين ,13 إبريل / نيسان

التجربة الصينية

GMT 01:37 2017 الثلاثاء ,30 أيار / مايو

بعد خمسين عاماً: الاحتلال والدولة الفلسطينية

GMT 00:36 2017 الثلاثاء ,07 آذار/ مارس

مقاطعة البضائع وتصديرها

GMT 02:56 2017 الإثنين ,20 شباط / فبراير

حول العلاج في الخارج

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

القاهرة - فلسطين اليوم
هيفاء وهبي خطفت الأنظار بالتزامن مع احتفالها بعيد ميلادها بأناقتها ورشاقتها التي ظهرت بها خلال حفلها الأخير الذي أحيته في قطر، حيث أبهرت النجمة اللبنانية جمهورها على المسرح بطلتها اللامعة بفستان مرصع بالكامل بحبات الكريستال، وبهذه الإطلالة تعود هيفاء وهبي لستايل الفساتين المجسمة التي تتباهي من خلالها بجمال قوامها وهو التصميم الذي كانت تفضله كثيرا أيقونة الموضة، وذلك بعد اعتمادها بشكل كبير على صيحة الجمبسوت التي أطلت بها في معظم حفلاتها السابقة. هيفاء وهبي سحرت عشاقها في أحدث ظهور لها على المسرح خلال حفلها الأخير بقطر بإطلالة جذابة بتوقيع نيكولا جبران، حيث اعتمدت أيقونة الموضة مجددا التصميم المحدد للقوام مع الخصر الذي يبرز بقصته الضيقة مع الحزام جمال قوامها، حيث تمايلت هيفاء وهبي على المسرح بأسلوبها الأنثوي المعتاد بف...المزيد

GMT 00:13 2020 الخميس ,09 تموز / يوليو

ما كنت تتوقعه من الشريك لن يتحقق مئة في المئة

GMT 00:13 2020 الخميس ,09 تموز / يوليو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 07:47 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

فتح تحقيق فيدرالي في وفاة ضابط شرطة في "أحداث الكونغرس"

GMT 09:39 2024 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

الأطعمة الدهنية تؤثر سلبًا على الجهاز المناعي والدماغ

GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

GMT 10:27 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل 21 مواطنا من الضفة

GMT 07:28 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

بابل أقدم حواضر العالم وتاريخها يتحدى الأساطير

GMT 06:59 2016 الثلاثاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

فايج أحمد يشتهر بصناعة سجاد سحري لتزيين الجدران
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday