بقلم : أسامة غريب
كل الأمم تحقق انتصارات وتواجه هزائم ماعدا الأمة العربية، فإنها لا تعرف الهزيمة أبداً. الخطاب الإعلامى العربى لم يعترف فى يوم من الأيام بأى هزيمة من عشرات الهزائم التى حاقت بالأمة العربية والتى يراها ويعرفها العالم ويحفظها ويسجلها فى كتب تاريخه وسجلات محفوظاته. وبينما دول كاليابان وألمانيا لا تتردد فى الاعتراف بالهزيمة الساحقة التى مُنيت بها كل منهما فى الحرب العالمية الثانية، فإن الدول العربية كافة لا تسمح لصحيفة أو قناة تليفزيونية بأن تقول للناس إننا انهزمنا فى أى معركة.
فى حرب 1956 التى وقعت بعد تأميم قناة السويس، واجهنا عدواناً ثلاثياً من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، وقد سجلت كتب التاريخ المدرسى أننا قمنا بدحر العدوان وحققنا انتصاراً على الأعداء. صحيح أن الأمر قد انتهى بانسحاب المعتدين واستردادنا القناة، لكننا لم نشرح لشعبنا أنه إلى جانب صمودنا كان هناك الإنذار السوفيتى والتدخل الأمريكى اللذان فرضا الانسحاب فرضاً على المعتدين. كان ينبغى أن يعلم شعبنا أن اجتياح إسرائيل لسيناء واستيلاءها السريع عليها لا يمكن احتسابه نصراً بأى حال من الأحوال، وربما الركون إلى الوهم هو ما جعل عبدالحكيم عامر يكرر نفس الانسحاب من سيناء الذى قام به فى 56 ويفعله مرة أخرى فى 67 بتصور أن ذلك سيقود لنصر مماثل للذى حدث المرة السابقة، وكأنما التخلى عن الأرض وإفساح الطريق لدبابات العدو أصبح مدرجاً فى كتالوج الانتصار!
ومرة أخرى نخفى على الناس أننا انهزمنا ونحدّثهم عن النكسة والكبوة وخسارة معركة، وذلك على الرغم من أن الإقرار بالهزيمة ليس عيباً، وقد يكون دافعاً للثأر أكثر من الركون للتهوين والتقليل من حجم الفاجعة.
الأمر نفسه فعله صدام حسين بعد غزوه الكويت وحشد أمريكا قواتها لطرده. لقد لقى الجيش العراقى هزيمة بدت واضحة منذ بداية الغارات الأمريكية فى يناير 91، وتعرض العراق لدمار كبير، لكن صدام سماها «أم المعارك»، وأصر على أنه حقق النصر على الأعداء، ومنع وسائل إعلامه من التحدث عن حقيقة ما جرى رغم أن آثاره كانت منطبعة على كل بيت عراقى. وبعدها باثنتى عشرة سنة عام 2003 قام الأمريكان بمعاودة الهجوم بعدما تأكدوا أن صدام لا يحوز ما يمكّنه من إلحاق أى خسائر بهم وقاموا باحتلال بغداد، بينما وزير إعلام صدّام كان يتحدث عن انتصارات فى حرب أخرى كانت تدور فى خياله وحده.
وربما أن ما يشجع الأشاوس الذين يحكموننا على الإيغال فى الهجص والفشر الإعلامى هو أن حكومات الغرب، الذى ينتصر علينا دائماً، سواء أمريكا أو إنجلترا أو فرنسا أو إسرائيل، تتعرض لجردة حساب داخلى قاسية بعد كل حرب، وتواجه مساءلة من البرلمانات واللجان التى تشكلها الحكومات لمراجعة القصور فى الأداء أثناء المعارك، والتدارس حول سبل تلافى ذلك فى المستقبل بعد محاسبة المقصرين وإبعادهم عن الصورة. يفعلون ذلك رغم أنهم منتصرون، ونحن المنهزمون لا نفعله أبداً حتى لا تشك فينا شعوبنا وتتصور أن نصرنا المؤزّر تشوبه لا سمح الله شائبة!.